أعلنت السودان قراراً بإلزام الجامعات بالعودة من مراكزها الخارجية، مما أثار مخاوف من مخاطر أمنية وضياع سنوات دراسية إضافية وسط استمرار الحرب، وواجه القرار انتقادات لعدم مراعاة الدمار الذي لحق بالجامعات وتشتت الأساتذة.
أصدرت وزارة التعليم العالي السودانية يوم الأربعاء قراراً يلزم الجامعات الحكومية والخاصة التي واصلت عملها عبر مراكز خارج البلاد بالعودة الفورية واستئناف أنشطتها من داخل السودان، مع إغلاق مراكزها الخارجية.
وقد أثار هذا القرار مخاوف كبيرة من تعرض الطلاب لمخاطر أمنية وضياع المزيد من السنوات الدراسية، خاصة في ظل استمرار الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023، وغياب أي مؤشرات قريبة لنهايتها.
قبل اندلاع الحرب، كان نحو مليون طالب يدرسون في 155 جامعة وكلية متخصصة، يقع 60% منها في العاصمة الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وهي مناطق شهدت اشتباكات عنيفة أدت إلى تدمير كبير في البنية التحتية للجامعات، بما في ذلك المكتبات والمعامل والمنشآت التعليمية الأخرى.
وبعد اندلاع القتال، اضطرت العديد من الجامعات إلى فتح مراكز لها في دول تستضيف أعداداً كبيرة من السودانيين الفارين من الحرب.
وعلى الرغم من التكاليف المالية الباهظة التي تحملها الطلاب، ساعدت هذه المراكز الخارجية عشرات الآلاف على مواصلة تعليمهم، حيث تمكنت بعض الجامعات من إكمال أربعة فصول دراسية في مراكزها خارج السودان.
ومع ذلك، يأتي قرار وزارة التعليم العالي بإلزام الجامعات بالعودة إلى الداخل في وقت لا تزال معظم أنحاء البلاد تشهد قتالاً عنيفاً، ولا تتوفر الظروف اللازمة لعودة أكثر من 15 مليون شخص فروا من مناطقهم، خاصة في مدن العاصمة الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان، التي كانت تضم أكثر من 45% من سكان السودان البالغ عددهم نحو 48 مليون نسمة.
بالإضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بمباني الجامعات، تشتت آلاف الأساتذة والكوادر الأكاديمية، حيث هاجر بعضهم بشكل دائم إلى دول أخرى.
ووصف محمد يوسف، الأستاذ في جامعة الخرطوم وأحد مؤسسي تجمع المهنيين السودانيين، قرار العودة الإجبارية بأنه “غير مدروس”، مشيراً إلى أنه يواجه صعوبات كبيرة ويهدف إلى إيهام الرأي العام بأن الوضع الداخلي آمن ومستقر.
وأوضح يوسف أن الجامعات داخل السودان تعاني من دمار واسع في بنيتها التحتية، مما يجعل أي عملية تعليمية ذات معنى أمراً صعباً.
كما أشار إلى أن الطلاب والأساتذة سيواجهون صعوبات في إيجاد سكن آمن ومناسب، بالإضافة إلى نقص الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء.
وأضاف أن الجامعات ستواجه خسائر مادية كبيرة إذا أُجبرت على إخلاء مراكزها الخارجية بشكل متعجل.
ويرى خبراء أن إصلاح الدمار الذي لحق بالجامعات سيستغرق سنوات عديدة بعد انتهاء الحرب، خاصة أن معظم الجامعات كانت تعاني من نقص الموارد وضعف التمويل حتى قبل الحرب.
كما يتوقع أن تواجه الجامعات أزمة في استعادة أعضاء هيئات التدريس والكوادر المساعدة، حيث اضطر نحو 70% منهم إلى الهجرة والعمل في جامعات ومؤسسات بحثية خارج السودان، وفقاً لبيانات غير رسمية.
وأعلن تحالف تجمعات أساتذة الجامعات السودانية رفضه للقرار، ودعا إلى اتخاذ إجراءات تضمن عودة تدريجية ومنظمة تأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية والإنسانية والاقتصادية التي تواجه الطلاب والأساتذة والعاملين.
وأكد التحالف أن القرار لم يراعِ الواقع الذي فرضته الحرب، مشيراً إلى أن الحرب تسببت في دمار شامل للجامعات وأجبرت العديد من الأساتذة والعاملين على الهجرة.
ودعا التحالف إلى إجراء تقييم شامل للوضع الراهن للجامعات، وتحديد الاحتياجات الأساسية التي تضمن عودة آمنة وفعالة، ووضع خطة واضحة لتعويض الأساتذة والعاملين عن الأضرار المادية والنفسية التي لحقت بهم، وتوفير بنية تحتية مناسبة لضمان استقرار العملية التعليمية.
من جانبها، قالت نهى عثمان، طالبة في كلية الطب بإحدى الجامعات الحكومية، إنها كانت تستعد لبدء الفصل التاسع عندما اندلع القتال في الخرطوم، بينما كان شقيقها محمد على وشك التخرج من كلية الطب في جامعة خاصة نقلت مقرها إلى الخارج مبكراً.
وأوضحت نهى أن نقل الجامعات إلى الخارج ساعد الطلاب على استكمال دراستهم دون انقطاع، لكنها أعربت عن قلقها من عودة حالة عدم الاستقرار إذا تم إجبار الجامعات على العودة إلى الداخل، خاصة أن العاصمة والمدن الأخرى لا تزال تشهد قتالاً عنيفاً.
واختتمت حديثها بالقول: “استفدنا كثيراً من نقل الجامعات إلى الخارج، لكننا الآن نخشى من العقبات التي قد تواجهنا إذا عدنا إلى السودان”.
تنسيقة “تقدم” تحذر من تداعيات استمرار الحرب في السودان