تعاني الخرطوم من دمار هائل بسبب الحرب، حيث تضررت البنية التحتية وتفشت الأمراض مثل الكوليرا، وتسبب النزاع في نزوح ملايين الأشخاص، والجهود لإعادة الإعمار تواجه تحديات كبيرة بسبب استمرار القتال.
وصف المواطن السوداني طارق أحمد (56 عاماً) الوضع في العاصمة الخرطوم بأنها “أصبحت غير صالحة للسكن” بعد أن دمرت الحرب البنية التحتية وحياة السكان.
وقال أحمد لوكالة “رويترز”: “الحرب دمرت حياتنا وبلدنا، ونشعر بأننا بلا مأوى رغم عودة الجيش إلى السيطرة”.
وعاد أحمد لفترة قصيرة إلى منزله الذي تعرض للنهب في الخرطوم، قبل أن يغادر مرة أخرى، بعد أن استعاد الجيش السيطرة من “قوات الدعم السريع” في العاصمة مؤخراً.
وتظهر تداعيات انهيار البنية التحتية في تفشي وباء الكوليرا بشكل سريع، حيث سجلت 172 حالة وفاة من بين 2729 إصابة خلال الأسبوع الماضي فقط، معظمها في الخرطوم.
تعاني مناطق واسعة من وسط وغرب السودان، بما في ذلك إقليم دارفور، من دمار هائل بسبب القتال المستمر، كما أن الدمار الكبير في الخرطوم، التي كانت مركزاً لتقديم الخدمات الحيوية، أثر على جميع أنحاء البلاد.
وفي هذا السياق، حذرت منظمة “أطباء بلا حدود” من تعرض النساء والفتيات في دارفور لخطر العنف الجنسي بشكل مستمر.
وقالت كلير سان فيليبو، منسقة الطوارئ بالمنظمة: “النساء والفتيات لا يشعرن بالأمان في أي مكان. يتعرضن للهجوم في منازلهن، وعند الفرار من العنف، وحتى أثناء جلب الطعام أو جمع الحطب أو العمل في الحقول”.
وأضافت أن العنف الجنسي أصبح شائعاً لدرجة أن الكثيرين يتحدثون عنه بذعر وكأنه أمر لا مفر منه.
وقدرت السلطات السودانية تكلفة إعادة إعمار الخرطوم بنحو 300 مليار دولار، بينما تحتاج بقية مناطق السودان إلى 700 مليار دولار، وتعمل الأمم المتحدة على إعداد تقديراتها الخاصة بهذه التكاليف.
من جهته، كشف وزير النفط والطاقة السوداني، مُحيي الدين نعيم، عن انخفاض إنتاج البلاد من النفط إلى أكثر من النصف، ليصل إلى 24 ألف برميل يومياً، كما توقفت عمليات التكرير بعد تضرر مصفاة الجيلي الرئيسية بأضرار تقدر بـ3 مليارات دولار.
وأضاف أن السودان أصبح يعتمد كلياً على تصدير النفط الخام واستيراد المشتقات النفطية، كما يواجه تحديات في صيانة خطوط الأنابيب التي يعتمد عليها جنوب السودان لتصدير نفطه.
وتعرضت محطات الكهرباء في الخرطوم للتدمير الكامل، وفقاً لنعيم، فيما أعلنت الشركة الوطنية للكهرباء عن خطة لزيادة الإمدادات من مصر إلى شمال السودان، ولكن الهجمات المتكررة بالطائرات المسيرة على المحطات خارج العاصمة تجعل استمرار تشغيل الشبكة الكهربائية أمراً بالغ الصعوبة.
وفي ظل انهيار الخدمات الأساسية، يعاني سكان الخرطوم من نقص حاد في المياه النظيفة، حيث تعطلت محطتا المياه الرئيسيتان بعد نهب آلاتهما من قبل قوات الدعم السريع، وفقاً للطيب سعد الدين، المتحدث باسم ولاية الخرطوم. ويضطر السكان لشرب مياه النيل أو الآبار الملوثة، مما يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض خطيرة.
بعد استعادة القوات الحكومية السيطرة على الخرطوم، عاد بعض السكان ليجدوا منازلهم منهوبة، مع ثقوب كبيرة في الجدران والطرق حيث تم انتزاع أسلاك النحاس، وفي شارع النيل، أحد أكثر الطرق ازدحاماً سابقاً، تم حفر خندق بعمق متر واحد وطول 4 كيلومترات لاستخراج هذه الأسلاك.
كما تعرض القطاع الصحي لدمار منهجي، حيث قال وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم: “هناك تخريب متعمد من قبل الميليشيات ضد المستشفيات، حيث نُهبت معظم المعدات الطبية ودُمر الباقي عمداً”، مشيراً إلى أن الخسائر في هذا القطاع بلغت 11 مليار دولار.
مع عودة ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين شخص إلى الخرطوم، حذر لوكا ريندا، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من حاجة ملحة لتدخلات إنسانية لتجنب تفاقم الأزمات مثل وباء الكوليرا. لكن استمرار القتال وضيق الميزانية يعيقان وضع خطة شاملة لإعادة الإعمار.
وأشار ريندا إلى أن الجهود الحالية تركز على إعادة تأهيل محدود للبنية التحتية، مثل مضخات المياه العاملة بالطاقة الشمسية والمستشفيات والمدارس، مما قد يمثل فرصة لتحقيق لا مركزية الخدمات والتحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة.
وتشهد الخرطوم، العاصمة السودانية، دماراً هائلاً بعد أكثر من عامين من الحرب، حيث تعرضت الجسور ومحطات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمباني للتدمير أو النهب.
وتقدر السلطات أن إعادة الإعمار ستحتاج مئات المليارات من الدولارات، لكن استمرار القتال والهجمات بالطائرات المسيرة على البنية التحتية يجعل هذه المهمة شبه مستحيلة في المدى القريب.
ويواجه السودان أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقاً لمنظمات الإغاثة والأمم المتحدة، حيث نزح نحو 13 مليون شخص، بينما يعاني ثلث السكان من خطر المجاعة، كما اتهمت الولايات المتحدة الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيماوية، بينما اتهمت قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
يعاني سكان الخرطوم من انقطاع الكهرباء لأسابيع، ونقص المياه النظيفة، وانهيار الخدمات الصحية، كما أن المطار الرئيسي تعرض للتدمير، مع بقاء حطام الطائرات على المدرج، وتحولت الأحياء التي كانت مزدهرة إلى مدن أشباح، تنتشر فيها السيارات المدمرة والقذائف غير المنفجرة.
ومع استمرار الحرب، يبدو مستقبل السودان غامضاً، حيث تتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية دون أفق واضح للحل.
الأمين العام للأمم المتحدة: تدفّق الأسلحة إلى السودان يجب أن يتوقف