مجلة “لو بوان” الفرنسية تكشف عن مساعٍ إيرانية للتقارب مع النيجر عبر اتفاقيات أمنية، في خطوة تهدف لتأمين إمدادات اليورانيوم وسط تحولات في سوق هذا المورد الحيوي بالبلاد.
وبحسب المجلة، تعمل إيران على ترسيخ نفوذها تدريجياً في العاصمة النيجرية نيامي، مستغلةً الشغور الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية والأمريكية بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2023، والذي قاده الجنرال عبد الرحمن تياني، الرئيس الحالي للنيجر، وترى المجلة أن هذا الانفتاح بين نيامي وطهران يثير قلقاً متزايداً لدى عدد من الحكومات الغربية، خصوصاً في ظل الخلفية الجيوسياسية الحساسة للمنطقة.
وفي مطلع مايو الجاري، وصل وفد أمني إيراني رفيع المستوى إلى نيامي، برئاسة القائد العام لقوات الأمن الإيرانية، الجنرال رضائي رادان، في زيارة غير اعتيادية شملت توقفاً قصيراً في بوركينا فاسو المجاورة.
ووقعت إيران والنيجر على هامش الزيارة مذكرة تفاهم تركز على تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتدريب الجنود، ما يكشف عن طبيعة التحالف القائم بين دولتين تسعيان إلى تعزيز استقرارهما الداخلي في ظل تحديات مشتركة.
ومنذ استيلائه على السلطة، يحاول الجنرال تياني فك عزلة بلاده الدولية عبر تحالفات جديدة، فيما تعمل حكومته على تجنيد آلاف الشباب في صفوف الجيش الوطني، وبغياب الدعم الغربي، أصبحت السلطات النيجرية تعتمد بشكل متزايد على المساعدات الأمنية من دول أخرى، ما أفسح المجال أمام طهران لتقديم نفسها كشريك محتمل وموثوق.
وتسعى إيران، وفق تحليل “لو بوان”، إلى الاستفادة من تراجع الثقة النيجيرية بروسيا، رغم توقيع اتفاقية دفاعية بين البلدين في وقت سابق. ويقول لادجي واتارا، رئيس “مرصد الساحل”، إن “التقارب مع موسكو لم يرقَ إلى مستوى الوعود”، مشيراً إلى أن إيران استطاعت أن تملأ الفراغ بتقديم تكنولوجيا متطورة، لا سيما في مجال الطائرات دون طيار، وهو ما جذب اهتمام نيامي بعد مغادرة القوات الأمريكية، التي كانت تدير قاعدة عسكرية متخصصة في تشغيل هذا النوع من الطائرات في مدينة أغاديز.
وتحتفظ النيجر في الوقت ذاته باتفاقية أمنية قديمة مع تركيا، الدولة المعروفة أيضاً بقدراتها في إنتاج الطائرات بدون طيار، ما يجعل ساحة النفوذ الأمني والاستخباراتي في البلاد مفتوحة على مصراعيها أمام قوى إقليمية ودولية تتسابق للتموضع في قلب الساحل الإفريقي.
ولكن، وعلى الرغم من هذا الزخم الأمني، فإن ما يجذب طهران على نحو خاص، وفق المجلة الفرنسية، هو اليورانيوم النيجري، حيث تسعى إيران إلى ضمان إمدادات مستقبلية من هذا المعدن الضروري لبرامجها النووية، وبحسب الجمعية النووية العالمية، فإن النيجر تُعد سابع أكبر منتج لليورانيوم على مستوى العالم، ويشكل هذا المورد نسبة مهمة من الاقتصاد الوطني للبلاد.
وأوضحت لو بوان أن زيارة رئيس الوزراء النيجري، علي لامين زين، إلى طهران في مطلع عام 2024، أسفرت عن فتح قنوات اتصال غير معلنة لمناقشة صفقات محتملة لتوريد اليورانيوم، ويُعتقد أن مذكرة التفاهم الأخيرة بين البلدين تعزز من صدقية هذه الفرضية، خصوصاً في ظل حاجة طهران المتزايدة لمصادر خارجية لدعم برنامجها النووي بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وترى المجلة أن إيران تُظهر براغماتية لافتة في تحركاتها، إذ تستثمر في مناطق الفراغ السياسي والاقتصادي لتعزيز نفوذها، ويُعد اليورانيوم أحد أعمدة هذه الاستراتيجية، خصوصاً بعد أن أعادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تأكيد مخاوفها بشأن نشاطات تخصيب اليورانيوم في إيران.
وفي المقابل، تعاني النيجر من وضع مالي خانق نتيجة العزلة السياسية وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، إذ لم تعد قادرة على الاعتماد على السوق المحلية وحدها، ما يدفعها إلى إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية عبر استغلال أكثر فاعلية لمواردها الطبيعية.
وتشير البيانات إلى أن صادرات اليورانيوم ساهمت بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي للنيجر في نهاية عام 2022، إلا أن القطاع شهد تراجعاً بعد الانقلاب، نتيجة الخلافات مع شركة “أورانو” الفرنسية، التي كانت تدير نشاطات تعدين واسعة في البلاد.
ورغم أن الشركة، المعروفة سابقاً باسم “أريفا”، ما تزال تمتلك على الورق ثلاث شركات تابعة في النيجر، فإن الواقع الميداني تغير كثيراً، خاصة بعد إعلان “أورانو”، في ديسمبر 2024، فقدانها السيطرة على جميع أنشطتها، في ظل اعتبار نظام تياني لها ذراعاً للتدخل الفرنسي.
وفي ضوء هذه التحولات المتسارعة، تبدو طهران مصممة على استغلال الفراغ لتوسيع نفوذها في قلب إفريقيا، من خلال دمج الأهداف الأمنية بالاستراتيجيات الاقتصادية، ما يضع النيجر في موقع حساس وسط صراع النفوذ الدولي المحتدم في منطقة الساحل.
النيجر تسحب ترخيص عمل منظمة “أكتد” الفرنسية