تونس صُنّفت ضمن الدول الإفريقية الأقل عرضة لمخاطر غسل الأموال، بحسب مؤشر بازل لسنة 2025 الصادر عن معهد بازل للحوكمة، في نتيجة تعكس تحسناً نسبياً في متانة المنظومة المالية وقدرتها على التكيف مع المعايير الدولية.
وحصلت تونس على درجة إجمالية بلغت 4.75 من عشرة، ما وضعها في المرتبة الرابعة إفريقيا من بين 48 دولة شملها التصنيف، لتكون ضمن الدول الأكثر أماناً مالياً على مستوى القارة، مقارنة بدول ما تزال تعاني هشاشة تشريعية أو ضعفا في آليات الرقابة والحوكمة.
وعلى الصعيد العالمي، جاءت تونس في المرتبة 119 من أصل 177 دولة خضعت للتقييم، متقدمة على عدد من الدول في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط التي سجلت مستويات أعلى من المخاطر المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة، وفقا لمعايير المؤشر.
ويعتمد مؤشر بازل على منهجية تقييم متعددة الأبعاد تشمل 17 مؤشرا موزعة على مجالات رئيسية، من بينها جودة الإطار التنظيمي والقانوني، ومستوى الشفافية المالية، ونجاعة المعايير المصرفية، ودرجة المساءلة العامة، إضافة إلى المخاطر القانونية والمؤسسية، ويعكس الأداء التونسي في هذه المؤشرات، بحسب التقرير، قدرة نسبية على تحقيق توازن بين الانفتاح المالي ومتطلبات الرقابة.
ويرجع خبراء هذا التقدم إلى توفر إطار قانوني وتنظيمي يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب حد أدنى من الاستقرار المؤسسي واستمرارية عمل الهياكل الرقابية، رغم الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فضلا عن تشديد الرقابة على القطاع البنكي والمؤسسات المالية، ما أسهم في تحسين مؤشرات الامتثال والحوكمة.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي سامي العرفاوي، في تصريح لوكالة “سبوتنيك”، إن التصنيف الإيجابي الذي حققته تونس يعود بالأساس إلى قوة الإطار التشريعي المعتمد، وفي مقدمته القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال.
وأوضح أن هذا القانون أرسى تعريفا دقيقا لجريمة غسل الأموال وحدد عقوبات رادعة تشمل السجن وخطايا مالية مرتفعة، إلى جانب تشديد الرقابة على الأطراف الخاضعة له.
وأضاف أن البنك المركزي يضطلع بدور محوري في هذا المجال من خلال متابعة دقيقة للتحاليل المالية، حيث تخضع جميع التحويلات التي تحيط بها شبهات إلى تدقيق مركزي صارم، ما يعزز قدرة الدولة على رصد العمليات المشبوهة والتدخل في الوقت المناسب.
وأشار العرفاوي إلى أن حجم القضايا والملفات المعروضة على القطب القضائي المالي وقطب مكافحة الإرهاب يعكس جدية تطبيق القانون، لافتا إلى أن هذه الملفات لا تقتصر على التتبع القضائي، بل تنتهي في عديد الحالات بمصادرة الأملاك ونشر أسماء المتورطين بعد صدور أحكام باتة، وهو ما يمثل رسالة ردع واضحة، على حد تعبيره.
وأكد أن القانون يطبق في تونس بصرامة وحزم، معتبرا أن النتائج المتراكمة خلال السنوات الثلاث الأخيرة بدأت تؤتي ثمارها، وهو ما يفسر الترتيب المتقدم الذي حظيت به تونس وتقدمها على عدد من الدول الإفريقية والعربية في هذا المجال، مشددا على أن الحفاظ على هذا التصنيف يبقى رهينا بمواصلة الدولة هذا النهج الصارم في الحد من تبييض الأموال المرتبط ارتباطا وثيقا بجرائم تمويل الإرهاب.
ومن جهته، أكد الخبير الاقتصادي ماهر بالحاج أن تونس تعتمد مقاربة صارمة في مكافحة غسل الأموال، وتفرض إجراءات دقيقة على المؤسسات المالية وغير المالية فيما يتعلق بالتصريح بالعمليات المشبوهة.
وأوضح أن الحد التدريجي من استخدام النقد يمثل إحدى الركائز الأساسية في هذا المجال، من خلال التوجه نحو التعاملات البنكية الرقمية والمراقبة الدقيقة للمدفوعات الكبرى.
وبيّن بالحاج أن التقدم في مكافحة غسل الأموال لا يقتصر أثره على حماية الاقتصاد الوطني، بل يحمل أبعادا استراتيجية أوسع، نظرا لارتباط الأموال المغسولة بتمويل أنشطة غير مشروعة، من بينها الإرهاب وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، وهي ظواهر جرى رصدها في سياق الهجرة غير النظامية عبر شبكات مالية معقدة.
وأشار إلى أن التصنيف الإيجابي يعكس انخفاضاً نسبياً في المخاطر المالية، ما يخدم مصالح تونس في التعاملات الدولية، ويساعدها على التفاوض للحصول على قروض خارجية بشروط أفضل ونسب فائدة أقل، إلى جانب تعزيز قدرتها على تمويل المشاريع التنموية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وأضاف أن هذا التصنيف يمثل عاملاً جاذباً للمستثمرين الأجانب الراغبين في دخول السوق التونسية، لما يوفره من ضمانات تتعلق بالشفافية واستقرار النظام المالي، مؤكداً أن تحسين الثقة في المنظومة المالية من شأنه دعم الاستثمارات المباشرة وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط والبعيد.
يُذكر أن تونس كانت قد أُدرجت في سنوات سابقة ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية للبلدان غير المتعاونة في مجال مكافحة غسل الأموال، قبل أن تنجح في الخروج منها رسميا في أكتوبر 2019، بعد تنفيذ إصلاحات تشريعية ومؤسساتية والامتثال للمعايير الدولية المعتمدة.
ستوكهولم.. نجاة معلمة تونسية من طعن بعد إنقاذ طفل
