يتضمن اتفاق القاهرة بين الأطراف الليبية مسألة إعادة إنتاج الخلافات داخل الصراع السياسي في ليبيا، حيث ينتج أي حوار سلسلة جديدة من الخلافات التي تعقد الأزمة.
فالاتفاق الذي تم في القاهرة بين رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة، يصعب الاستناد إليه لرسم سيناريو واضح يضمن توافقاً على كافة المسائل المرتبطة بالدستور وقانون الانتخابات، فهو أحال كافة الخلافات إلى اللجنة الفنية التي لم يتم الاتفاق على شكل لها يمكن أن يضمن توازن كافة القوى داخلها، وهو ما يؤخر أي حل بظل استمرار الجمود السياسي.
ورغم بعض الجوانب الإيجابية في الاتفاق إلا أنه يفتح باباً جديداً لنوع من الخلافات حول تشكيل اللجنة الفنية التي ستنظر في التعديلات المتعلقة بالقوانين الانتخابية، فمجلسيْ النواب والدولة والأطراف السياسية المهيمنة على المشهد العام ستكون حاضرة عبر ممثلين لها، وستلعب المسائل العالقة بينهم دورا أساسيا في عملية التشكيل أو حتى في صياغة الحوارات داخلها، فالمشهد المعقد لتفاصيل الخلافات الليبية يتطلب خارطة طريق أوضح، وقرارات سياسية لتنفيذ أي تفاهمات، الامر الذي دفع رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، والسفير الروسي في طرابلس، حيدر أغانين، لتوجيه نداء مشترك للقادة الليبيين أكدا فيه على الأهمية الحاسمة لإجراء الانتخابات.
وظهر الاهتمام باتفاقات القاهرة التي رعتها الجامعة العربية من خلال تصريحات باتيلي الذي كشف أن لقائه مع السفير أغانين تناول الأوضاع السياسية والأمنية والحاجة إلى انتخابات ذات مصداقية، وضرورة التخفيف من المخاطر الجسيمة التي تواجه العملية السياسية.
وفي وقت لاحق، أكد باتيلي أن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، أطلعه على نتائج الاجتماع الذي عقد في القاهرة بحضوره مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة، محمد تكالة، تحت رعاية جامعة الدول العربية، وبيّن أن اللقاء الذي جرى بالعاصمة طرابلس تناول البيان الرسمي الصادر عن اجتماع القاهرة، واتفق مع المنفي على متابعة نتائج هذا الاجتماع.
القراءة الأولية في سياق اجتماعات القاهرة والتعامل السياسي عموماً مع الأزمة الليبية؛ يشير إلى أن هناك مجموعة من العوامل تجعل من اجتماعات القاهرة جزءاً من الأزمة، فالمسألة هنا لا تتعلق بتأكيد المجتمعين على وحدة وسيادة الأراضي الليبية، أو على رفض التدخلات الخارجية، فهذه العناوين هي تفاصيل إضافية وتصل في النهاية إلى نقاط الخلاف القائمة حالياً، فالصورة الإعلامية التي ظهر عليها الاتفاق يصعب ترجمتها إلى عملية سياسية يمكنها فك الاشتباك السياسي الحاصل، وإذا كان الأمر الرئيسي والهام هو أن اجتماعات القاهرة حدثت تحت سقف الجامعة العربية، فإن المقاربة الإضافية هنا مرتبطة ما بين الجامعة كمنظمة إقليمية والمصالح الدولية التي لا تشوش فقط على مثل هذا الاتفاق إنما تسعى للتعامل مع تفاصيله والتأثير عليه.
ضمن هذا الجانب المرتبط بالجامعة فإن دعوة أمينها أحمد أبو الغيط لشخصيات ليبية بارزة؛ ينقل محاولة للتعامل الإقليمي مع الأزمة، كما يوضح حجم القلق من التوترات في شمال إفريقيا التي لا تقتصر على ليبيا بل تطال السودان أيضاً، ومن المفترض أن تعمل الجامعة على تمثيل كافة الأدوار العربية، لكن هذا الأمر غير موجود ضمن التباين في المواقف العربية، ويتضح ذلك في البيان الختامي الذي تحدث عن عناوين عامة يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
•الحكومة الموحدة: حيث اتفق المشاركون بالإجماع على ضرورة تشكيل حكومة موحدة، وستكون مسؤوليتها الأساسية الإشراف على العملية الانتخابية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وهذا الأمر هو صورة إعلامية تتكرر غالباً في البيانات التي تصدر عن هذه الاجتماعات.
•المواقف السيادية: تطرق البيان لأهمية توحيد المناصب السيادية داخل ليبيا، ويهدف هذا الدمج إلى تفعيل أدوارهم على المستوى الوطني، والمواقف السيادية لا تمثل المصالح الليبية فقط بل هي أيضاً تجليّات المصالح الإقليمية والدولية على الخارطة السياسية الليبية.
•اللجنة الفنية التي اتفق الحاضرون على تشكيلها، وستقوم ضمن إطار زمني محدد بمراجعة التعديلات المناسبة، وهدفها توسيع قاعدة التوافق، والعمل على ما أنجزته اللجنة المشتركة (6+6) المكوّنة من ممثلين عن مجلسي النواب والدولة، والملاحظ هنا أن الاجتماع أضاف لجنة جديدة إلى تعقيدات الحل السياسي، وحملها كل نقاط الخلاف، بما فيها الخلافات الناجمة عن تنفيذ ما قامت به لجنة 6+6.
التفاؤل الذي حملته اجتماعات القاهرة هو إعلامي بالدرجة الأولى، فالنقطة الوحيدة المضيئة هي التحرك الإقليمي الذي يحتاج إلى غطاء سياسي عام عربي – إفريقي للضغط على الدول الخارجية التي تتعامل مع الصراع القائم، فطريق ليبيا نحو الانتخابات تتجاوز الحدث المحلي لأنها مرتبطة بتوازنات مختلفة، وبصراعات مندلعة في محيط الجغرافية الليبية أيضا، فتشكيل مسار سياسي هو بمثابة استراتيجية جديدة عربية وإفريقية للتعامل مع الخطوات الأولى في سيناريو طويل يجمع الليبيين.
بقلم نضال الخضري
قذائف تستهدف منزل رئيس الحكومة الليبية في طرابلس