أظهرت جلسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة في 8 مارس 2024، طبيعة التفاعل بين المصالح الدولية ومحاولة الوصول لحل سلمي في السودان.
ورغم التشكيك بقدرة القرار الأممي على وقف الحرب الدائرة في السودان خلال شهر رمضان، يشكّل هذا القرار نقلة في التعامل مع الأوضاع القائمة.
القرار الذي حمل الرقم 2724 ليس ملزما، وشهد نقاشات واسعة خلال الجلسة التي عكست التنافس الدولي على السودان، والتفكير المتباين بين أعضاء مجلس الأمن حول مفهوم سيادة الدول إضافة للديناميكيات الدولية التي تدفع بعض أعضائه أحيانا لاستخدام الفيتو لاعتبارات مختلفة، فالقرار كان اختباراً مزدوجاً للعلاقات الدولية من جهة ولطبيعة الاستجابة الداخلية للقوى المتصارعة في السودان.
صورة أولية للقرار
بقيت فعالية القرار ضمن دائرة استعداد الأطراف المتصارعة للتجاوب مع نداءات وقف إطلاق النار، فقبل أقل من 24 ساعة من دخول هذا القرار حيز التنفيذ اندلعت اشتباكات عنيفة في إقليم دارفور الذي تسيطر على معظمه قوات التدخل السريع، كما ظهرت شروط مسبقة وضعتها وزارة الخارجية السودانية لتنفيذ القرار، واشترطت انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق الرئيسية، وهذا الموقف يبين انعدام الثقة والتعقيدات التي يتميز بها الصراع.
ما افتقره القرار، وربما كمعظم قرارات مجلس الأمن، الآليات الفعالة لوقف الحرب، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من النزاع، فالتجربة الدولية تبين أن الآليات غالباً ما تأتي على حساب سيادة الدول، كما حدث في ليبيا على سبيل المثال، وإعادة انتاج “التجربة الليبية” مجدداً على صعيد حوض النيل، فالآليات الدولية تحتاج لـ”شرعية إقليمية” حتى لا تصبح مجالاً لانتهاكات السيادة، و”الضمانة الإفريقية” ضرورية لتنفيذ أي إجراء دولي، فالإجراء الدولي يقف حالياً عند حدود وقف مؤقت لإطلاق النار، في وقت يحتاج مثل هذا الأمر إلى “عملية سلام” يستند إليها القرار.
إعادة صياغة الصراع
الواضح أن قرار مجلس الأمن يحمل في طياته محاولة لصياغة الصراع السوداني، فهناك حالة عدم الإلزام للحكومة السودانية، في المقابل يحمل القرار نداء جماعيا من أجل الوقف الفوري للأعمال العدائية قبل شهر رمضان، ويحث جميع الأطراف على البحث عن حل دائم من خلال الحوار وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وبشكل آمن وسريع عبر الحدود وخطوط الصراع، فالمبادرة التي طرحتها بريطانيا تشكل مقدمة فقط لتعامل دولي مع الأزمة السودانية.
عمليا يؤكد موقف روسيا، الذي عبرت عنه نائبة السفير آنا إيفستينييفا، على الطبيعة الاختيارية للقرار، فتخوفات موسكو كانت واضحة من أن يصبح القرار حالة فرض لإملاءات خارجية على دول ذات سيادة، وهذا الموقف بمثابة تذكير بالتعقيدات الجيوسياسية ورفض النهج الواحد الذي ميز عمل مجلس الأمن خلال السنوات الماضية.
بالتوازي فإن الولايات المتحدة عينت في وقت سابق توم بيرييلو مبعوثاً خاصاً إلى السودان، مما يشير إلى زيادة التركيز على الأزمة السودانية بعد اتهامات متعددة بأن البيت الأبيض يتجاهل الأزمة ويترك لحلفائه الأوروبيين التعامل مع الحرب القائمة، ومن المقرر أن يقوم بيرييلو باجتماعات متعددة إقليمية وداخلية، وذلك من أجل وضع سيناريوهات متعددة لأي تفاوض قادم، فالمبعوث الأمريكي عبر جولته الدبلوماسية سينتقل ما بين إفريقيا والشرق الأوسط، وسيحاول حشد دعم للدور الأمريكي في عملية السلام، أما على الصعيد الداخلي فإن واشنطن ستوسع من دائرة الحوار ليشمل المجتمع المدني السوداني.
ويبدو واضحا أن قرار مجلس الأمن سيتيح آلية جديدة للتعامل السياسي مع مفاصل الأزمة، خصوصاً بالنسبة للولايات المتحدة التي تحركت بشكل سريع بعده من أجل الدخول مجددا إلى بؤرة الصراع الدائر في منطقة حوض النيل لتحقيق مصالحها.
بقلم مازن بلال
تجدد القتال في دارفور يسفر عن سقوط 85 قتيلاً وإصابة المئات