16 ديسمبر 2025

كشفت الجزائر، بعد سنوات طويلة من الجدل والتأجيل، عن المسودة الأولى لمقترح قانون يهدف إلى تجريم الاستعمار الفرنسي، في خطوة تشريعية لافتة ينتظر أن تعرض على المجلس الشعبي الوطني خلال الأيام المقبلة تمهيدا لمناقشتها وتحويلها إلى مشروع قانون رسمي.

ويأتي هذا التطور في سياق سياسي ودبلوماسي متوتر مع باريس، ما يمنح النص أبعادا تتجاوز الإطار القانوني إلى رسائل سياسية وتاريخية مباشرة.

ووفق ما تضمنته النسخة الأولية، فإن المقترح يضع إطارا قانونيا واضحا لتوصيف الاستعمار الفرنسي بوصفه جريمة مكتملة الأركان، محددا نطاقه الزمني من 14 يونيو 1830، تاريخ بدء الحملة العسكرية الفرنسية، وحتى 5 يوليو 1962، موعد استرجاع الجزائر لسيادتها الوطنية.

ويشمل هذا النطاق ليس فقط فترة الاحتلال المباشر، بل أيضا الآثار الممتدة التي خلفها الاستعمار بعد نهايته الرسمية.

ويؤكد النص أن الجزائر، قبل الاحتلال، كانت دولة قائمة بذاتها، تمارس سيادتها الكاملة على المستويات السياسية والإدارية والعسكرية والاقتصادية، وتحظى باعتراف دولي وعلاقات دبلوماسية منظمة.

ويرى المقترح أن التدخل الفرنسي عام 1830 شكل عدوانا على دولة ذات سيادة، ترتب عليه إقصاء ممنهج للكيان الجزائري استمر لأكثر من قرن.

ويرتكز المشروع على مبادئ القانون الدولي، لا سيما حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم سقوط الجرائم الجسيمة بالتقادم، وضرورة تحقيق العدالة التاريخية.

كما يشدد على أن الهدف لا يقتصر على توصيف الماضي، بل يتعداه إلى تثبيت المسؤوليات القانونية والأخلاقية، والمطالبة باعتراف رسمي واعتذار صريح عن الجرائم المرتكبة، باعتبار ذلك شرطا أساسيا لأي مصالحة مع التاريخ وحماية للذاكرة الوطنية.

ويعرض المقترح صورة شاملة عن تداعيات الاستعمار، متناولا الخسائر البشرية الهائلة التي تكبدها الجزائريون، وما رافقها من مآسٍ اجتماعية وإنسانية شملت القتل الجماعي، والتهجير القسري، والنفي، والإبادة، إضافة إلى التجارب النووية في الجنوب الجزائري، التي لا تزال آثارها الصحية والبيئية قائمة، في ظل غياب تسليم الخرائط الخاصة بها.

وفي جانب الأحكام العامة، يعلن المشروع موقفا مبدئيا برفض الاستعمار بجميع أشكاله، والتزام الجزائر بدعم الجهود الدولية الرامية إلى تصفيته، ما يعكس رغبة في إدراج القانون ضمن منظومة القيم والمبادئ الكونية، لا كخطوة معزولة أو انتقامية. كما يمنح النص امتدادا موضوعيا للتجريم، يشمل الآثار غير المباشرة التي استمرت بعد نهاية الاحتلال.

ويمنح المقترح توصيفا قانونيا صريحا للاستعمار الفرنسي باعتباره “جريمة دولة”، وهو توصيف يحمل دلالات قانونية وسياسية ثقيلة، إذ يربط الانتهاكات بمسؤولية كيان سيادي، وليس بأفعال فردية معزولة.

ويلزم الدولة الجزائرية، في المقابل، بالعمل على كشف الحقائق التاريخية ونشرها، تأكيدًا على مركزية التوثيق والذاكرة في معالجة هذا الملف.

ويفرد المشروع فصلا موسعا لجرائم الاستعمار، يشمل الانتهاكات العسكرية، مثل الهجمات على المدنيين، واستخدام القوة المفرطة، والأسلحة المحرمة دوليا، بما في ذلك الألغام والتفجيرات النووية، إلى جانب الجرائم الاقتصادية والاجتماعية، من نهب الثروات، ومصادرة الأراضي، وفرض قوانين تمييزية، وحرمان السكان من حقوقهم الأساسية.

كما يتطرق النص إلى الانتهاكات الثقافية والدينية، من تدنيس دور العبادة، ومحاولات طمس الهوية الوطنية، والتنصير القسري، والتنكيل برفات الموتى، فضلا عن ممارسات أخرى مثل التجنيد الإجباري، وإنشاء محاكم استثنائية، واستخدام المدنيين كدروع بشرية.

ويؤكد المشروع على مبدأ عدم التقادم، مشددا على أن جرائم الاستعمار لا تسقط بمرور الزمن، بغض النظر عن صفة مرتكبيها أو مواقعهم، كما يجرم كل أشكال التعاون مع السلطات الاستعمارية، ويصنفها ضمن الخيانة العظمى، في ربط مباشر بين الذاكرة الوطنية والمساءلة القانونية.

وفي باب المسؤولية، يحمل المقترح الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري، ويفتح الباب أمام المطالبة الدولية بالاعتراف والاعتذار والتعويض.

وينص على مطالب محددة، من بينها تنظيف مواقع التفجيرات النووية، وتسليم خرائط الألغام، وتعويض الضحايا وذويهم، واسترجاع الأموال المنهوبة، والأرشيف الوطني، ورفات رموز المقاومة الجزائرية.

أما الجانب الجزائي، فيركز على حماية الذاكرة الوطنية، من خلال تجريم تمجيد الاستعمار أو الترويج له، سواء عبر الخطاب الإعلامي أو الأكاديمي أو الثقافي، مع فرض عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية، وتشديدها في حال العود أو إذا صدرت هذه الأفعال عن موظفين عموميين أو داخل المؤسسات التعليمية والإعلامية.

ويختتم المشروع بالتأكيد على دور الدولة والمجتمع المدني في حفظ الذاكرة الوطنية ونقلها إلى الأجيال القادمة، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حماية الهوية التاريخية والثقافية للشعب الجزائري، في مسعى تشريعي يضع الماضي الاستعماري في قلب النقاش القانوني والسيادي للدولة.

 

سوق الانتقالات الصيفية في الجزائر: صفقات استثنائية تعزز طموحات الأندية القارية

اقرأ المزيد