11 فبراير 2025

أثار مشروع قانون الأحزاب الجديد في الجزائر جدلاً واسعاً بين الأحزاب السياسية، حيث اعتبرته بعض الأحزاب خطوة نحو التضييق على دورها وتحجيم نشاطها، بينما رأت أحزاب أخرى أنه يفتح آفاقاً جديدة لتنظيم الخارطة السياسية.

أثارت مسودة مشروع قانون الأحزاب في الجزائر جدلاً واسعاً بين مختلف المكونات السياسية في البلاد، حيث اعتبرتها بعض الأحزاب “خطوة نحو التضييق على الأحزاب وتحجيم دورها”، خاصة فيما يتعلق بتحديد فترات رؤساء الأحزاب ومنع انتقال نواب البرلمان من حزب إلى آخر.

واستلمت الأحزاب نسخاً من مسودة مشروع القانون الذي يتكون من 7 أبواب تحتوي على 97 مادة، ونشرته الحكومة بهدف استطلاع الآراء بشأنه واقتراح التعديلات التي يمكن أن تراها الأحزاب مناسبة.

وأوضحت النقاشات المستمرة بشأن المسودة وجود خلافات حول دور الأحزاب السياسية على الساحة السياسية مستقبلاً في ظل التحديات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.

وبدورها رأت بعض الأحزاب أن مشروع القانون يفتح آفاقاً جديدة لتنظيم الخارطة السياسية، بينما اعتبرته أحزاب أخرى “خطوة نحو تضييق الخناق على الأحزاب وتحجيم دورها الفاعل في إدارة الشأن العام”.

وتضمنت مسودة المشروع عدداً من البنود “المثيرة للجدل”، وفق بعض السياسيين، أبرزها منع “ظاهرة التجوال السياسي” أي التنقل من حزب سياسي لآخر، حيث ينص مشروع القانون على الشطب من عضوية البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة ومجلس النواب) لكل منتخب يغير الانتماء الحزبي، فضلاً عن شطبه نهائياً من سجلات الحزب، بهدف مجابهة الظاهرة.

واقترح مشروع القانون إجراءات جديدة لتأسيس الأحزاب، منها أحقية الإدارة في طلب وثائق إضافية، أو استبدال أي عضو لا يستوف الشروط، وتعديل نسبة تمثيل الولايات في المؤتمرات التأسيسية، حيث يتطلب أن يكون المؤتمر ممثلاً بنسبة 50% من عدد الولايات كحد أدنى.

واشترط القانون ساري المفعول على الأحزاب أن يجمع المؤتمر التأسيسي 400 مؤتمر على الأقل، منحدرين عن ثلث عدد الولايات على الأقل، دون أن يقل عدد المؤتمرين عن 16 مؤتمراً عن كل ولاية.

ومنعت المادة 53 أي ارتباط للأحزاب مع النقابات أو الجمعيات أو تنظيمات غير سياسية، بينما سمحت المادة 54 بالتعاون مع أحزاب أجنبية شرط عدم تعارضها مع الدستور والقوانين المحلية، على أن يتم ذلك بموافقة سابقة من وزير الداخلية وبالتشاور مع وزير الخارجية.

وألزمت مسودة المشروع أجهزة الحزب بانتخابها لمدة 5 سنوات كحد أقصى، مع إمكانية تجديدها بصفة متتالية مرة واحدة، بهدف مبدأ التداول الديمقراطي في تنظيم الحزب السياسي وسيره.

وانتقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخراً بعض القيادات الحزبية الداعية إلى التغيير بينما ظلّ هؤلاء متمسكين بمواقعهم ومناصبهم الحزبية منذ سنوات دون أن يشير إليهم.

وشهدت عدد من الأحزاب السياسية ظاهرة التمركز القيادي، على غرار حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون منذ ثلاثة عقود، وجبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبد الله جاب الله منذ أكثر من عقد ونصف، كما ينطبق الأمر على حزب جيل جديد الذي يترأسه جيلالي سفيان منذ قرابة 13 سنة.

ورأى القيادي في حزب البناء الوطني، كمال بن خلوف، أن إلزام مدتين فقط للجهاز التنفيذي والتداولي سيؤدي إلى ما وصفه بـ”تصحير” الحياة السياسية، معتبراً أن هذا الإجراء يعدُ تدخلاً في الشأن الداخلي للأحزاب.

واعتبر كمال بن خلوف أن المشروع ركز بشكل مفرط على الإجراءات الإدارية مع تعقيدها، وهو ما قد يحول الأحزاب إلى مجرد هياكل إدارية تابعة للإدارة.

وأضاف عضو مجلس النواب أن المسودة التي وزعت على الأحزاب السياسية جاءت مفرغة من أي رؤية سياسية واضحة حول دور الأحزاب السياسية في إدارة الشأن العام مستقبلاً.

وأشار بن خلوف إلى أن الإفراط في القيود الإدارية ستحول مؤسسي الأحزاب، بعد 10 سنوات، إلى مجرد مناضلين، مما يؤدي إلى عجز في تطوير الحياة السياسية.

ونبه بن خلوف إلى أن المشروع أغفل تحديد رؤية واضحة لدور الأحزاب وعلاقتها بالدولة، وكذلك كيفية بناء طاقات سياسية قادرة على إدارة الشأن العام، وضمان التلاحم الوطني.

واعتبر بن خلوف أن تفويض المرأة أو الشباب، خاصة في المناطق الريفية والجنوب، قد يتحول إلى عرقلة بسبب غياب استراتيجيات واضحة تأخذ التنوع الاجتماعي بعين الاعتبار.

وكرس مشروع القانون الجديد الحقوق السياسية للمرأة والشباب تطبيقا لأحكام الدستور، حيث ألزم الحزب السياسي بتحديد نسبة ممثلة من النساء والشباب داخل هياكل الحزب السياسي، وإدراجها في قانونه الأساسي.

ورأى سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد، أنّ الحزب الذي يتكون مجلسه الوطني (الهيئة التداولية أو اللجنة المركزية) من 150 أو 200 عضو، ومكتبه الوطني (أو المكتب السياسي) من 10 إلى 30 عضواً، يجب على جميعهم مغادرة مناصبهم كحد أقصى بعد انتهاء الولاية الثانية، وأوضحَ جيلالي، عبر منصة “إكس”، إن إنشاء حزب سياسي، وتحديد خطه السياسي، وتكوين إطارات سياسية بمستوى جيد يتطلب ما بين 20 و30 سنة.

وأوضح بأن المادة 37 من هذا القانون، ستمنع الإطارات القيادية التي ناضلت لمدة 10 سنوات لبناء الحزب الحق في الترشح لرئاسة الحزب كما توجبهم مغادرة المجلس الوطني للحزب.

وأكد جيلالي أنهُ في عام 2027، سيكون من الملزم  العثور على ما لا يقل عن مائة إطار جديد لقيادة الحزب ومع الأخذ في الاعتبار أن مسؤولي الولايات هم أعضاء في المجلس الوطني، فإنه سيتوجب تغيير جميع إطارات الولايات دفعة واحدة.

ويتواجد في الجزائر 63 حزباً سياسياً تختلف أيديولوجياتها بين الوطنيين والديمقراطيين والإسلاميين.

وتحظى 14 حزباً فقط بتمثيل نيابي في مجلس النواب إضافة إلى النواب المستقلين (الأحرار)، وفقاً لنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021.

ويتيح مشروع القانون الجديد للأحزاب للوزير المكلف بالداخلية إخطار العدالة لحل الحزب السياسي الذي لم يقدم مترشحين لموعدين انتخابيين متتاليين، وذلك بهدف مراجعة طريقة عمل الأحزاب السياسية وتعزيز مشاركتها في مختلف الاستشارات الانتخابية.

ويرى عضو مجلس النواب عن حزب جبهة التحرير الوطني، علي ربيج، أن هذا البند سيكون مهماً للقضاء على الأحزاب “الطفيلية” والمجهرية وإعادة رسم الخارطة السياسية، حسب قوله.

وأكد ربيج إلى أن بعض الأحزاب “تؤجر” اعتماداتها لجهات وجماعات تستغل النفوذ المالي والسياسي من أجل الوصول إلى مراكز صنع القرار، وعلى رأسها البرلمان والبلديات.

وأضاف المتحدث أن هذا القانون جاء بمجموعة من القواعد الصارمة لتنظيم وإنعاش الأحزاب السياسية، وخلق آليات مهمة لضمان سير الحزب بشكل طبيعي، وإبعاد الحزب عن الانسدادات والحركات التصحيحية التي كانت تشلّ الأعمال.

من الجدير بالذكر أن الأحزاب السياسية الكبرى شهدت حركات تصحيحية عديدة، مثل حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الديمقراطي، عقب أحداث الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في فبراير من عام 2019.

ونبهَ علي ربيج ضبط مشروع القانون الموارد المالية للأحزاب من خلال تلقي المساعدات من طرف الدولة مع ضمان ذلك من خلال تقديم بيانات وتقارير مالية مفصلة عن هذه الإعانات ورفض أي تمويل أجنبي للأحزاب.

وحددت مسودة مشروع قانون الأحزاب موارد الأحزاب السياسية ومصادرها، التي تشمل اشتراكات أعضائه، والهبات والوصايا والتبرعات، والعائدات المرتبطة بنشاطاته وممتلكاته، بالإضافة إلى التمويل العمومي المحتمل الذي تقدمه الدولة.

وأكدت المادة 75 من المشروع على منع الأحزاب السياسية من تلقي أي تمويل، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، من مصدر أجنبي بأي شكل أو صفة.

وحددت الهبات والوصايا والتبرعات التي يمكن أن يتلقاها الحزب، بحيث لا تتجاوز 300 مرة الأجر الوطني الأدنى المضمون في السنة الواحدة.

ويُشترط أن يتم التصريح بتلقي الهبات والوصايا والتبرعات لدى الوزير المكلف بالداخلية خلال أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ الحصول عليها. ويجب أن يتضمن التصريح هوية صاحب التبرع أو الهبة أو الوصية، بالإضافة إلى قيمتها وطبيعتها.

ويرتقب أن يحالَ مشروع قانون الأحزاب الجديد على المناقشات العامة في مجلس النواب بعد أيام قليلة من إعلان رئيس مجلس النواب إبراهيم بوغادي استلام مشروع قانون الأحزاب والجمعيات داخل أكبر هيئة تشريعية في البلد والإعلان عن تنصيب لجنتين لدراستهما.

الجزائر.. تلاميذ يضرمون النار في أستاذهم

اقرأ المزيد