مسلسل “ولاد الشمس” يثير جدلاً حول أزمة إعادة الأطفال المكفولين لدور الرعاية، مما دفع الحكومة المصرية لفرض غرامة 20 ألف جنيه على الأسر التي تعيد الطفل، ويناقش الخبراء التأثيرات النفسية ويدعون لحلول فورية لهذه المشكلة.
أثار المسلسل الدرامي “ولاد الشمس” الذي عرض خلال شهر رمضان المبارك جدلاً واسعاً حول قضية إعادة الأطفال المكفولين إلى دور الرعاية بعد تبنييهم، حيث تناول العمل الفني معاناة هؤلاء الأطفال بشكل مؤثر، مما دفع الحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه الظاهرة.
وأعلنت وزارة التضامن الاجتماعي ممثلة في اللجنة العليا للأسر البديلة الكافلة عن فرض غرامة مالية قدرها عشرين ألف جنيه مصري على كل أسرة تقرر إعادة الطفل المكفول إلى دار الرعاية بعد تبنيه.
وجاء هذا القرار كرد فعل مباشر على القضايا التي أثارها المسلسل والتي كشفت عن معاناة حقيقية يعيشها العديد من الأطفال في هذا الصدد.
في هذا السياق، أوضحت الدكتورة أمل شمس أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الطفل المكفول ينظر إلى الأسرة التي تكفله على أنها مصدر الأمان النفسي والمادي والاجتماعي الذي افتقده طوال حياته.
وأضافت في تصريح لمصادر إعلامية أن الطفل الذي يعود إلى دار الرعاية بعد تجربة التبني يعاني من صدمات نفسية بالغة، حيث يشعر بالضياع والنبذ غير المبرر بعد أن اعتاد على معاملة الأسرة له كابن حقيقي.
وحذرت شمس من أن قرار فرض الغرامات المالية قد يأتي بنتائج عكسية، مشيرة إلى أن بعض الأسر قد تلجأ إلى أساليب غير أخلاقية للتخلص من الطفل بدلاً من إعادته إلى دار الرعاية، كما أن هناك حالات قهرية قد تضطر فيها الأسرة لإعادة الطفل دون ذنب منها، مثل الأزمات المادية المفاجئة أو حالات وفاة الوالدين بالتبني.
من جانبه، أكد الدكتور تامر شوقي أستاذ علم النفس والتقويم التربوي بجامعة عين شمس أن انتقال الطفل اليتيم من دار الرعاية إلى أسرة بديلة يمثل نقلة نوعية في حياته، لكن إعادته إلى الدار تمثل صدمة نفسية قد تترك آثاراً عميقة تفوق بكثير معاناته الأصلية في دار الرعاية.
وأوضح أن هذه الصدمة قد تؤدي إلى مشكلات سلوكية خطيرة تصل إلى العدوانية وحتى الإجرام في بعض الحالات.
وأضاف شوقي أن الغرامات المالية وحدها لا تكفي لحل هذه المعضلة، مؤكداً أن الالتزام برعاية الأطفال اليتامى يجب أن ينبع في الأساس من القيم الأخلاقية والدينية، ودعا إلى ضرورة تنظيم حملات توعية مكثفة واختيار الأسر الكافلة بعناية فائقة.
من الناحية الفنية، أشاد الناقد مصطفى الكيلاني بأداء الممثل طه الدسوقي في تجسيده لشخصية “مفتاح” بالمسلسل، معتبراً أن المشهد الذي يقف فيه البطل أمام منزل أسرته السابقة كان من أكثر المشاهد تأثيراً، حيث عبر عن المأساة الإنسانية لهؤلاء الأطفال بكلمات مؤثرة: “ادوني الحنان، وقالوا لي إني ابنهم، وبعدين لما جالهم ابنهم رجعوني الملجأ كأني شنطة خلصت صلاحيتها”.
وطرح الخبراء والمختصون عدة حلول لمعالجة هذه القضية الإنسانية، أهمها إنشاء نظام متابعة دوري للأطفال المكفولين، وتأهيل نفسي مسبق للأطفال لفكرة العودة المحتملة إلى دار الرعاية، وتنظيم برامج تأهيلية مكثفة للأسر قبل منحها حق الكفالة، وإطلاق حملات توعية مجتمعية حول حقوق الأطفال النفسية، وإنشاء خطوط ساخنة للإبلاغ عن أي إساءة للأطفال المكفولين.
وتبقى قضية إعادة الأطفال المكفولين إلى دور الرعاية من أكثر القضايا الاجتماعية حساسية، حيث تمس مستقبل أطفال يعانون أصلاً من الحرمان العاطفي، مما يتطلب حلولاً شاملة تعالج الجوانب النفسية والاجتماعية والقانونية لهذه المعضلة الإنسانية.
ويبقى السؤال المطروح هو مدى فعالية الإجراءات الحكومية في حماية حقوق هؤلاء الأطفال، وما إذا كانت كافية لضمان مستقبل أفضل لهم.
خطة جديدة لإحياء السياحة الصحراوية في مصر