بينما الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا تقترب من دخول عامها الأول، دون مؤشرات للتهدئة، أعلنت قنصلية الجزائر في نانتير بضواحي باريس، عن تنظيم أسبوع من النشاطات احتفاءً بالذكرى الـ63 لاستقلال الجزائر.
ووفق ما أورده موقع “Tout sur l’Algérie”، فإن التظاهرة تُقام بشعار “المشاركة، الذاكرة، والود”، وتأتي بمشاركة عدد من الجمعيات الجزائرية النشطة في فرنسا، من بينها “تجمع 16 أكتوبر 1961″، الذي يخلّد تاريخ المظاهرات الكبرى للمهاجرين الجزائريين في باريس من أجل الاستقلال، و”جمعية سيتي 2000”.
ويتضمن البرنامج عرض فيلم عن الطبيب والمناضل فرانز فانون، أحد رموز مقاومة الاستعمار، والذي عاش بين الجزائريين خلال خمسينات القرن الماضي، إلى جانب عروض مرئية عن أبرز الرياضيين الجزائريين في فرنسا، ولا سيما نجوم كرة القدم.
ومن أبرز فعاليات الأسبوع إقامة بطولة لكرة القدم النسائية، في 5 يوليو، المصادف لعيد الاستقلال، بمشاركة 12 فريقاً يضم نحو 140 لاعبة، كما يشهد الحدث تنظيم معرض للحرف اليدوية الجزائرية احتفاءً بالتراث الثقافي، ومباراة استعراضية يشارك فيها لاعبون سابقون وفنانون معروفون.
كما ستشهد المناسبة تنظيم “استقبال ودي” من طرف القنصل الجزائري تحت عنوان “كسكسي الصداقة”، سيتم خلاله تكريم وتسليم جوائز لقدامى المحاربين في ثورة التحرير الجزائرية (1954–1962)، في لفتة رمزية إلى الوفاء لذاكرة النضال من أجل الاستقلال.
وتُعد هذه المناسبة أول نشاط رسمي تستخدم فيه مفردات مثل “الود” و”الأخوة” و”الصداقة” منذ اندلاع التوتر بين البلدين، وهي مفردات غابت عن الخطاب الدبلوماسي الجزائري طوال العام الماضي، الذي اتسم بتبادل الاتهامات والردود الحادة بين مسؤولي البلدين، وخصوصاً في ملفات الهجرة والذاكرة التاريخية والصحراء الغربية.
ومنذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون السلطة أواخر عام 2019، شددت الجزائر من لهجتها تجاه باريس، مطالبة باعتراف رسمي بـ”جرائم الاستعمار الفرنسي” وتقديم اعتذار صريح عنها، وعلى الرغم من بعض الخطوات الرمزية التي اتخذها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا سيما وصفه الاستعمار بـ”الجريمة ضد الإنسانية” خلال حملته الانتخابية في 2017، فإن ملف الذاكرة لا يزال مثار خلاف دائم.
وقد تأجلت زيارة تبون إلى باريس، التي كانت محل توافق مبدئي، مراراً، بسبب حوادث متفرقة أربكت الترتيبات، من أبرزها قضية فرار الطبيبة والمعارِضة أميرة بوراوي إلى فرنسا عبر تونس في فبراير 2023، رغم قرار قضائي بمنعها من السفر، واعتبرت الجزائر الحادث “خرقاً لسيادتها”، واتهمت الاستخبارات الفرنسية بالوقوف خلف العملية، علماً بأن بوراوي تحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية.
وبعد جهود دبلوماسية، طُويت “أزمة بوراوي” مؤقتاً في أبريل 2023، ما فتح باب إعادة ترتيب زيارة تبون إلى باريس، لكن سرعان ما تعثرت العلاقات مجدداً حين رفضت فرنسا تسليم الجزائر مقتنيات شخصية تعود للأمير عبد القادر، من بينها سيفه وبُرنسه، والمحفوظة في قصر فرنسي قضى فيه فترة أسره في القرن التاسع عشر.
وجاءت النقطة المفصلية في التدهور الجديد مع إعلان قصر الإليزيه في يوليو 2024 دعمه لسيادة المغرب على الصحراء، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها فوراً، وتعليق التعاون الأمني مع باريس، لا سيما في مجالات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
كما علقت الجزائر إصدار التصاريح القنصلية المطلوبة لترحيل المهاجرين غير النظاميين، ما ضاعف من تعقيدات الملف الذي طالما شكل نقطة خلاف بين البلدين.
وفي نوفمبر 2024، اشتعل فتيل الأزمة مجدداً بعد اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، ذو الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، وإدانته بالسجن خمس سنوات بتهمة “المساس بالوحدة الترابية”، على خلفية تصريحات إعلامية أدلى بها في فرنسا زعم فيها أن “أجزاء من غرب الجزائر تعود إلى المغرب”.
وفي أبريل 2025، أظهرت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الجزائر بوادر تهدئة، لكنها لم تدم طويلاً، إذ أعاد حادث جديد تفجير الخلاف، تمثل في توقيف الأمن الفرنسي موظفاً قنصلياً جزائرياً في قضية احتجاز اليوتيوبر المعارض أمير بوخرص، المقيم بفرنسا، وردت الجزائر سريعاً بطرد 12 دبلوماسياً فرنسياً، فقابلتها باريس بإجراء مماثل، ما أدى إلى تجميد العلاقات القنصلية بشكل شبه كامل.
وفي هذا السياق المتأزم، يُنظر إلى احتفالات قنصلية نانتير بذكرى الاستقلال على أنها محاولة جزائرية لإبقاء قنوات التواصل الثقافي مفتوحة مع الجالية، وربما تمرير إشارات غير مباشرة لفرنسا بإمكانية تهدئة الأجواء، شريطة احترام الثوابت الجزائرية في ملفات السيادة والذاكرة والمهاجرين.
استطلاع: صورة المغرب وتونس إيجابية لدى الفرنسيين والجزائر الأقل شعبية