12 أكتوبر 2024

مددت الولايات المتحدة حالة الطوارئ الوطنية بشأن ليبيا حتى فبراير 2025، وذلك عبر إعلان من الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ويعكس هذا الإجراء سياسة أمريكية لا تتعلق فقط بمخاوف استمرار عدم الاستقرار والتهديدات الأمنية الناجمة، بل أيضا محاولة واضحة للتأثير على شكل العملية السياسية، وحتى على الأطراف المتصارعة والشعب الليبي عموما، فالتمديد في عمقه يعني استمرار في عدم قدرة الليبيين على التعامل مع الأصول المالية لدولتهم، ويزيد من اعتمادهم على الدول الكبرى باقتصادهم وعلى الأخص إنتاج وتصدير النفط، وتبرر واشنطن هذا التمديد بالتحديات الكبيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة ومصالح السياسة الخارجية، إضافة للاستقرار الإقليمي والسلام العالمي، ولكن تداعياته ربما تتجاوز التبريرات الدبلوماسية وتشكل استراتيجية أمريكية لاستيعاب الأزمة الليبية المفتوحة.

تم إعلان حالة الطوارئ المتعلقة بليبيا للمرة الأولى بعد أحداث 2011 وما رافقها من ردود فعل دولية على سياسة القائد السابق معمر القذافي تجاه تلك الاضطرابات، وبعد تدخل الناتو في ليبيا شهدت البلاد حالة طويلة من الصراع بين الأطراف الليبية التي لم تستطع التوصل إلى اتفاقيات لإنهاء الاقتتال الداخلي، وكان التنافس واضحا داخل الإدارات الدولية المتنافسة للسيطرة على الثروة النفطية الهائلة في البلاد، وهو ما عزز انقسام الأطراف داخل ليبيا، وحالة الطوارئ التي فرضتها الولايات المتحدة كانت آلية سياسية للتعبير عن ما تسميه “التهديد الاستثنائي وغير العادي” الذي يشكله الوضع في ليبيا على الأمن القومي الأمريكي وأهداف سياستها الخارجية.

لكن حالة الطوارئ تعني بالدرجة الأولى احتكارا للسياسة والاستراتيجية، حيث يتم تحديد “التهديدات” والمخاطر وفق تفسير أمريكي فقط، وذلك بمعزل عن الهيئات الدولية التي تعتبر صاحبة الاختصاص في هذا الموضوع مثل مجلس الأمن، فحالة الطوارئ تحمل معها ثلاث أمور أساسية:

  1. أداة استراتيجية ضمن النطاق الأوسع للسياسة الدولية للولايات المتحدة، وتمديد حالة الطوارئ تهدف إلى معالجة الأزمات وفق سياق سياسة الولايات المتحدة فقط، وذلك عبر الإبقاء على حالة الطوارئ.

تريد الولايات المتحدة عبر تمديد حالة الطوارئ التأكيد على قدرتها على تنفيذ العقوبات، وتجميد الأصول، واتخاذ تدابير شاملة تؤثر بشكل عام على أي قرار محلي أو دولي بشأن ليبيا، وعبر هذه الأداة السياسية تتعامل الولايات المتحدة مع إدارة توازن القوى في ليبيا، وتضمن عدم وصول أطراف معارضة لاستراتيجيتها على ثروات البلاد، حيث تصبح عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة محكومة بانعكاسات حالة الطوارئ، وتوازن الفصائل المسلحة مرتبطة بشكل وثيق بانعكاسات المواقف الأمريكية بشكل مباشر.

  1. على المستوى السياسي فإن قرار الولايات المتحدة تمديد حالة الطوارئ في ليبيا يؤدي إلى استمرار التعامل مع ديناميكيات محددة في عملية المصالحة الليبية، فهناك عناوين عريضة حول حماية العملية الديمقراطية ومنع المزيد من الصراع الذي يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة، لكن حالة الطوارئ بذاتها تحدد عناصر الديمقراطية على مستوى القوى السياسية، فـ”العملية الديمقراطية” هي أمريكية بالكامل طالما أنها مرتبطة بالمخاطر على المصالح الأمريكية.

الموقف الأمريكي هو بمثابة رادع ضد الأطراف التي تملك تصورات لمسائل الاستقرار مختلفة عن واشنطن أو تتعامل مع ما تسميه “التحول الديمقراطي”، ومن خلال الاستفادة من العقوبات وغيرها من التدابير الاقتصادية، تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في تشكيل الظروف الخاصة بها أو حتى تحديد الأطراف التي ستشارك في عملية السلام.

  1. اقتصاديا فإن تمديد حالة الطوارئ له تداعيات كبيرة على تعافي ليبيا ونموها، وتهدف العقوبات المستمرة وتجميد الأصول إلى إخضاع العملية السياسية بأكملها لشرط وضعته الولايات المتحدة، فالحديث عن حماية ثروات البلاد من الاختلاس وضمان استخدام موارد ليبيا لصالح شعبها، يبقى ورقة بيد الإدارة الأمريكية، دون أن يتحول نهجا حيويا لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الليبي، وتعزيز جهود إعادة الإعمار، ودعم عملية السلام.

إن التركيز على منع استغلال ثروات ليبيا ضمن استراتيجية الولايات المتحدة يسلط الضوء على نوعية التأثير العميق الذي ترغب به، فهناك هيكل اقتصادي محدد تسعى إليه واشنطن قبل تحرير أصول الدولة الليبية المحتجزة، فالترابط بين الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي متعلق بالاستثمارات التي تفكر الولايات المتحدة بالتعامل معها، أو حتى باقتسامها مع باقي حلفائها.

إن تمديد حالة الطوارئ مهما كانت أسبابه أو ضروراته، يطرح مجموعة معقدة من التحديات، فهو يثير تساؤلات حول السيادة الليبية والآثار الطويلة الأجل للتدخل الدولي والأمريكي بشكل خاص في الشؤون الوطنية، فهو وبعد عقد ونصف من عمليات التمديد لم يوفر طريقا نحو الاستقرار والسلام، بل ربما على العكس دفع عدد من الأطراف الليبية للتعامل مع جهات إقليمية ودولية، في وقت يزداد الوضع الاقتصادي الليبي بالتردي، فتمديد حالة الطوارئ لم يؤدِ دورا حاسما لمعالجة الانقسامات الداخلية، ومكافحة الإرهاب، أو حتى الشروع في الطريق نحو المصالحة وإعادة الإعمار، ويبدو أن البحث فقط عبر المسار الأمريكي لمعالجة الأزمة في ليبيا هو استمرار للتناقض والصراعات التي لا تهدد ليبيا بل كل دول شمال إفريقيا.

بقلم مازن بلال

مرافعة ليبيّة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية

اقرأ المزيد