16 يونيو 2025

هجوم كلب ضال على طفل في محافظة أسيوط جنوب مصر أثار موجة واسعة من الجدل، وسط مطالبات بوضع خطة حكومية واضحة لمواجهة هذه الظاهرة.

وتعود الواقعة إلى أيام قليلة مضت، حين كانت مادونا حُفني تقف مع أشقائها حاملة نجلها ذي العامين أمام منزل عائلتها، وفوجئت بكلب يهجم عليهم بشكل مفاجئ، مستهدفاً طفلها، وروت الأم تفاصيل الحادثة في منشور عبر صفحتها على “فيسبوك”، قائلة: “الهجوم كان شديداً، وحين كنت أحاول إبعاده سقط نجلي على وجهه فكُسر أنفه، وخضع لعملية تجميل فيه، بخلاف جرعات مصل السعار”.

الواقعة أثارت تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسم المتابعون بين فريق غاضب يطالب بالتخلص من الكلاب الضالة بأي وسيلة، حتى إن تطلّب الأمر تسميمها أو نقلها إلى مناطق نائية، وآخرين من نشطاء حقوق الحيوان يرون أن عنف بعض الكلاب سببه ما تتعرض له من إيذاء وسوء معاملة في الشارع، مطالبين باتباع حلول أكثر إنسانية، وعلى رأسها التعقيم والتطعيم.

وتُعد هذه الحادثة حلقة في سلسلة من وقائع مشابهة تشهدها مناطق مختلفة في مصر، ووفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، ارتفعت حالات العقر الحيواني في مصر إلى أكثر من 574 ألف حالة في عام 2019، بزيادة 20 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه، ما يعكس حجم الأزمة واتساعها.

وفي هذا السياق، قالت هدى مقلد، رئيسة مجلس إدارة جمعية الرفق بالحيوان، في تصريحات صحفية، إن الدولة أطلقت عام 2021 استراتيجية وطنية لمكافحة مرض السعار، تعتمد على تطعيم الكلاب الضالة وإطلاق حملات توعية للمواطنين حول كيفية التعامل معها، وأشارت إلى أن هذه الاستراتيجية تبنّت نهجاً مختلفاً عن الأساليب التقليدية التي كانت تعتمد على قتل الكلاب، سواء من قبل الأجهزة الرسمية أو من المواطنين أنفسهم.

وأضافت مقلد أن “جمعيات الرفق بالحيوان” تعمل بالتعاون مع الهيئة العامة للخدمات البيطرية لتطعيم الكلاب، خصوصاً في المناطق التي تتلقّى منها شكاوى، موضحة أن تكلفة تطعيم الكلب الواحد تبلغ نحو 50 جنيهاً (ما يعادل دولاراً أمريكياً)، لكنها عبّرت عن أسفها لعدم تحمّل الدولة لهذه التكاليف، مما يضع العبء على عاتق الجمعيات محدودة الموارد أو الأهالي أنفسهم.

وفي المقابل، أطلق بعض المواطنين المتضررين من الكلاب الضالة مجموعات عبر “فيسبوك”، تطالب بإزالتها من الشوارع، وتنتقد بشدة أنشطة منظمات الرفق بالحيوان، معتبرين أن “سلامة الإنسان أولى من رعاية الحيوان”، حسب ما جاء في منشورات عدة.

وبدوره، شدد الناشط في مجال حقوق الحيوان عمر سامي على أهمية الاستمرار في تطعيم الكلاب، باعتباره الحل الأكثر أماناً للمجتمع، مضيفاً: “لو قتلت منطقة ما الكلاب التي فيها، ستنتقل إليها كلاب أخرى، لذلك الوقاية هي الأفضل”، وأكد أن مجموعات من النشطاء تمكنت بالفعل من تطعيم عدد كبير من الكلاب خلال الفترة الماضية، لكن لا تزال هناك مقاومة شعبية لوجودها في الشوارع.

ولا تقتصر الشكاوى على حوادث العقر فقط، بل تمتد إلى الضوضاء التي تسببها الكلاب، خاصة في الليل، حيث تعوي لفترات طويلة خلال فترات التزاوج، ما يحرم السكان من النوم.

ويقول الصحافي محمد عطية “42 عاماً” إن عواء الكلاب كان أمراً معتاداً في منطقته، إلى أن تعرّض للعقر في وقفة عيد الأضحى، ومنذ ذلك الحين غيّر موقفه، وأصبح من المطالبين بنقل الكلاب إلى أماكن بعيدة عن التجمعات السكنية.

وترى مقلد أن الحل المثالي لهذه المشكلة يكمن في تعقيم الكلاب، وخاصة الإناث، لأن كل أنثى يمكن أن تلد مرتين في السنة، ما يساهم في انفجار الأعداد، بينما يُسهم التعقيم في تقليل السلوكيات العدوانية أيضاً، ومنها العواء المستمر.

وفي تصريحاتها، عبّرت مادونا عن ندمها على التساهل السابق في التعامل مع الكلاب الضالة، قائلة: “كانت كثيرة في منطقتنا، لكن لم نكن نعيرها اهتماماً ما دامت لا تؤذينا، حتى تعرّض ابني لهذا الهجوم البشع، عندها فقط استشعرت خطورتها علينا”.

ودفعت الحادثة النائب محمود موسى إلى تقديم طلب إحاطة في مجلس النواب في مايو الماضي، مطالباً الحكومة بالتحرك للحد من ظاهرة الكلاب الضالة، بعد تعرّض طفل آخر للعقر في محافظة الشرقية.

ويُعد هذا الطلب امتداداً لتحرك برلماني سابق في أبريل 2024، حين تقدّمت لجنة الإدارة المحلية بطلب إحاطة مماثل للحكومة لإيجاد حل عملي وسريع للأزمة.

وفي ظل غياب إحصاءات رسمية دقيقة، تشير تقديرات صادرة عن وكيل نقابة البيطريين، محمود حمدي، إلى أن عدد الكلاب الضالة في مصر يتراوح بين 20 و30 مليون كلب، وفق ما صرّح به خلال برنامج “كلمة أخيرة” في أبريل الماضي، ما يعكس خطورة الظاهرة وحجم التحدي الذي تواجهه الحكومة والمجتمع.

وبين دعوات للحماية والرفق، ومطالبات بالأمان والتخلّص، لا تزال الكلاب الضالة تمثل ملفاً مفتوحاً يثير الانقسام، ويستدعي تدخلاً حكومياً عاجلاً بخطة متكاملة تراعي أمن المواطن وتوازن البيئة.

القاهرة تستضيف نخبة الأندية العربية في بطولة الأبطال الصيف المقبل

اقرأ المزيد