20 يونيو 2025

في خطابه الأول، تبنى البابا ليو الرابع عشر “المنهج الأوغسطيني”، مثيراً نقاشات حول القديس أوغسطين الجزائري، واستعرض الإعلام الدولي والإقليمي تأثير أوغسطين، بينما تباينت الآراء في الجزائر حول دوره الثقافي والديني.

في حدث ذي دلالات تاريخية ودينية عميقة، أعلن البابا ليو الرابع عشر خلال أول خطاب علني له بعد تنصيبه تبنيَه لما أسماه “المنهج الأوغسطيني”، في إشارة واضحة إلى القديس أوغسطين الذي يعتبر أحد أهم الشخصيات الدينية والفكرية التي أنجبتها الأراضي الجزائرية قبل ستة عشر قرناً.

هذا التصريح البابوي أثار موجة من النقاشات والتفاعلات على المستويين الدولي والمحلي، حيث يعتبر القديس أوغسطين (354-430 ميلادي) – المولود في مدينة طاغست (سوق أهراس حالياً) – أحد أهم “آباء الكنيسة اللاتينية” وأكثرهم تأثيراً في صياغة الفكر المسيحي الغربي.

وقد أمضى هذا الفيلسوف واللاهوتي الجزء الأكبر من حياته في مدينة هيبون (عنابة حالياً)، حيث لا تزال كنيسة كبرى تحمل اسمه قائمة حتى اليوم كشاهد على تاريخه العريق.

تفاعلت وسائل الإعلام العالمية بشكل لافت مع هذا الحدث، بينما شهدت الساحة الجزائرية نقاشات حادة وحوارات مثيرة حول هذه الشخصية التاريخية الفريدة.

وقد علق الصحفي الجزائري البارز السعدي نور الدين على هذا الحدث بقوله: “بعد مرور ستة عشر قرناً على رحيله، يعيد القديس أوغسطين تسليط الأضواء على الجزائر في المحافل الدولية والإعلام العالمي”.

من جانبه، تناول الكاتب والمفكر الجزائري نور الدين بوكروح هذا الموضوع في مقال موسع بعنوان “الجزائر المسيحية”، استعرض فيه الإرث المسيحي العريق للجزائر قبل الفتح الإسلامي، مع التركيز بشكل خاص على رمزية القديسة مونيكا البربرية، والدة أوغسطين، كجزء أصيل من الهوية الجزائرية المتعددة الطبقات والثقافات.

أثار هذا التجديد للاهتمام بالقديس أوغسطين العديد من المقترحات العملية، من بينها دعوة موجهة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لاستضافة البابا الجديد في مدينة عنابة، مسقط رأس الفيلسوف المسيحي الكبير، في خطوة ترمي إلى تعزيز الحوار الثقافي والحضاري بين ضفتي البحر المتوسط.

لكن هذا النقاش لم يخلُ من الجدل والخلافات الفكرية، حيث انقسمت الآراء بين من يرون في أوغسطين رمزاً للتنوع الثقافي والديني الذي تتميز به الجزائر، وبين من يعتبرونه ممثلاً لفكر ديني غريب عن الهوية الإسلامية التي تشكل العمود الفقري للشخصية الجزائرية.

وقد تصاعد هذا الجدل مع تبادل الاتهامات والمواقف حول الأصول العرقية للقديس أوغسطين بين الأمازيغيين وأنصار النظرية الفينيقية.

من جهة نقدية أخرى، هاجم الكاتب يوسف عبد الرحمن ما وصفه بـ”الاحتفاء بفيلسوف التثليث”، معتبراً في مقال له أن أفكار أوغسطين “قد مهدت الطريق للحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في العصور الوسطى”، مؤكداً على ضرورة التمسك بالهوية الإسلامية للجزائر.

يبقى السؤال الجوهري المطروح في هذا السياق: هل تستطيع الجزائر المعاصرة أن تحتضن هذا الإرث الفكري العالمي كجزء لا يتجزأ من تاريخها العريق دون الوقوع في صراعات هوياتية؟ خاصة وأن كتابات أوغسطين المهمة مثل “الاعترافات” و”مدينة الله” لا تزال تدرّس في أرقى الجامعات العالمية كأحد الأسس الفكرية الرئيسية التي قامت عليها الحضارة الغربية.

هذا الجدل الثقافي والديني الذي أعاده البابا الجديد إلى الواجهة يطرح تحديات عميقة أمام الهوية الجزائرية المعاصرة، ويضع النخبة الفكرية والسياسية أمام مسؤولية التعامل مع هذا الإرث الحضاري بموضوعية وتوازن، بعيداً عن الصراعات الإيديولوجية والعقد التاريخية.

نجم منتخب الجزائر ينتقد مزدوجي الجنسية (فيديو)

اقرأ المزيد