انتشرت بشكل واسع مقابلة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع الصحفي الأمريكي الشهير المثير للجدل، تاكر كارلسون، وسط تفاعل غير مسبوق على بعض التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي. ونشرت وسائل الإعلام الغربية والعالمية، لا سيما الأمريكية مقتطفات من المقابلة، انتظرها الكثير من السياسيين وشرائح كبيرة من المجتمعات الغربية المتعطشة للأنباء من قبل صحفيين مستقلين حول الوضع في أوكرانيا وملفات شائكة أخرى على المستوى العالمي، في ظل هيمنة الدول الغربية على وسائل الإعلام الأساسية في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، والتي تتماشى مع سياسة واشنطن وحلف الناتو.
وأثارت مقابلة الصحفي الأمريكي والإعلامي السابق في قناة “فوكس نيوز”، المقرب من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، غضبا واسعا لدى المسؤولين الديمقراطيين في الولايات المتحدة. وحصدت المقابلة على صفحة الصحفي، فقط على منصة “إكس” أكثر من 150 مليون مشاهدة في أقل من 24 ساعة منذ بثها وأعاد نشرها مئات الآلاف من المتابعين، فيما يتوقع خبراء في الإعلام والسياسة بأنها ستكون المقابلة الأكثر مشاهدة عبر العالم.
وتناول بوتين خلال المقابلة عدة مواضيع، كان أهمها، العلاقة التاريخية مع أوكرانيا والعملية العسكرية فيها وإمكانية توسع الصراع نحو الدول الأوروبية، واقتراب حلف شمال الأطلسي من الحدود الروسية والعلاقات مع الدول الغربية بشكل عام، وخصوصا مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي.
أهم تصريحات الرئيس الروسي في المقابلة:
– قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين خلال مقابلة مع الصحفي الأمريكي، تاكر كارلسون إن الولايات المتحدة تتكيف مع توجهات تطور العالم والاقتصاد العالمي من خلال القوة، والعقوبات والضغط والقصف واستخدام القوات المسلحة.
– أشار بوتين إلى أنه يتوجب على النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة إدراك أن أدواتها لا تجدي نفعا، وأن تصرفاتها تجاه روسيا وغيرها من الدول تؤدي إلى نتائج عكسية، مضيفا أنه “إذا سادت في المجتمع الأمريكي فكرة الهيمنة بأي ثمن، بما في ذلك استخدام الأساليب القسرية، فلن يتغير واقع الحال، بل سيزداد سوءا”.
– أعرب الرئيس الروسي عن ثقته بأن “تغيير الرئيس الأمريكي لن يغير مباشرة الموقف تجاه روسيا، لأن الأمر لا يتعلق بشخصية الرئيس، بل بمزاج النُخب الأمريكية”.
– وبالشأن الأوكراني، شدد الرئيس الروسي، على أن الشعب الأوكراني هو جزء من الشعب الروسي، مشيرا إلى أنه “إذا أرادت أوكرانيا اعتبار نفسها شعبا منفصلا، فلها الحق في ذلك، لكن عليها أن تبني ذلك ليس على أساس الأيديولوجية النازية”. وأوضح الرئيس الروسي أن أوكرانيا أصبحت دولة تابعة للولايات المتحدة، ورغم ذلك، فإن روسيا لا ترفض التفاوض مع كييف لإنهاء العملية العسكرية.
– وكشف بوتين عن أنه خلال محادثته الأخيرة مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل بدء العملية العسكرية الخاصة، أوضح لبايدن أن دعم ما يحدث في أوكرانيا هو خطأ له أبعاد تاريخية، مؤكدا أن موسكو أبلغت القيادة الأمريكية بأن الصراع في أوكرانيا سينتهي في غضون أسابيع إذا توقفت واشنطن عن تزويد كييف بالأسلحة.
– وتابع الرئيس الروسي يقول إن أوكرانيا في شكلها الحالي دولة مصطنعة أنشأتها السلطات السوفيتية بإرادة القائد السوفيتي، يوسف ستالين.
– وأكد بوتين على أن هزيمة روسيا الاستراتيجية لن تتحقق أبدا، وأن الدول الغربية، بما في ذلك الطبقة الحاكمة، بدأت تدرك ذلك، مشيرا إلى أن روسيا مستعدة للحوار مع الغرب.
– وصرح الرئيس الروسي أن العالم سيتغير في كل الأحوال بغض النظر عن كيفية انتهاء الأحداث في أوكرانيا وأكد بوتين أنه يجب تعديل القانون الدولي، مشيرا إلى أن ميزان القوى في العالم تغير.
– وقال بوتين ردا على سؤال الصحفي حول ما إذا كان بإمكان بوتين تصور سيناريو لإرسال القوات الروسية إلى بولندا: “في حال واحدة فقط.. إذا كان هناك هجوم على روسيا من قبل بولندا”.
– وبخصوص طموحات هنغاريا في أوكرانيا، قال بوتين: ” لم أتحدث أبدا مع قيادة هنغاريا بهذا الشأن.. لم تكن لدينا حتى أي محادثات حول هذا الموضوع.. لكنني أعلم على وجه اليقين أن الهنغاريين الذين يعيشون هناك، بالطبع، يريدون العودة إلى وطنهم التاريخي”.
– واتهم الرئيس الروسي الأجهزة الأمنية الأمريكية باستهداف خطي أنابيب الغاز “التيار الشمالي1” و”التيار الشمالي2″، موضحا أن هناك جهات استفادت من ذلك العمل، منوها أن العملية معقدة، وأن تنظيمات صغيرة تعجز عن القيام بالتفجير في بحر البلطيق على هذا العمق الكبير، في إشارة إلى قيام الدول الغربية بهذا العمل.
– وأوضح بوتين أن ألمانيا لا تستأنف تشغيل الخط المتبقي من أنابيب “التيار الشمالي 2″، على الرغم من استعداد روسيا لتزويد أوروبا بالغاز من خلاله.
– وتابع بوتين يقول فيما يخص الاقتصاد، إن حصة دول مجموعة “بريكس” التي تترأسها روسيا العام الحالي، قد تجاوزت في الاقتصاد العالمي المعدل الإجمالي لمجموعة السبع، وأكد أن “بريكس” تتطور بوتيرة سريعة.
– وقال الرئيس الروسي إن أكبر الأخطاء الاستراتيجية للقيادة السياسية في الولايات المتحدة، هو استخدام الدولار كأداة للصراع في السياسة الخارجية. وأكد بوتين أن احتياطيات الدولار آخذة في الانخفاض حتى بين حلفاء الولايات المتحدة، موضحا أنه: “حتى بين حلفاء الولايات المتحدة، تتقلص احتياطيات الدولار، والجميع ينظرون إلى ما يحدث، ويبدأون في البحث عن فرصة لحماية أنفسهم. تطبيق الولايات المتحدة إجراءات تقييدية ضد بعض الدول، مثل الحد من المدفوعات، وتجميد الأصول، وما إلى ذلك، إنذار كبير وإشارة للعالم بأسره”.
– وفي رده على الصحفي الأمريكي حول تخوف واشنطن من موسكو التي استعادت قوتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أعرب الرئيس الروسي عن قناعته بأن الغرب يخشى الصين القوية اقتصاديا أكثر من روسيا القوية، موضحا أن هناك 150 مليون شخص في روسيا، بينما في الصين مليار ونصف المليار، مبينا أن الاقتصاد الصيني يتطور بأكثر من 5% .
تأثير المقابلة على الرأي العام
يرى المراقبون أن الرئيس الروسي أعاد التأكيد على السياسة الخارجية لبلاده، خصوصا فيما يخص الولايات المتحدة، لكن هذه المرة، خاطبهم بوتين عبر لغتهم بإجراء مقابلة مع صحفي أمريكي شهير، تم بثها بشكل واسع في الولايات المتحدة وخارجها.
ويبدو من تصريحات الرئيس الروسي، أن موسكو ماضية في العملية العسكرية في أوكرانيا حتى تحقيق الأهداف، رغم أن بوتين رجح إمكانية التواصل مع كييف لإنهاء العملية العسكرية.
ويقول مراقبون اقتصاديون إن بوتين، حدد ملامح السياسة الاقتصادية لروسيا ودول البريكس، ولم يستبعد إمكانية استئناف ضخ الغاز إلى القارة الأوروبية، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية، لا سيما فيما يتعلق بالتعامل بالعملات الوطنية بدل الدولار في العمليات التجارية.
وأثارت مقابلة الصحفي الأمريكي مع بوتين نقاشا حادا في الولايات المتحدة، ويدور نقاش حول ما يجب فعله مع الصحفي تاكر كارلسون الذي خرق مسلمات السياسة الأمريكية تجاه روسيا بحسب المحللين. ولا يستبعد عدد من الخبراء توجيه اتهامات خطيرة للصحفي.
وتتخوف إدارة بايدن من تأثير المقابلة على شرائح كبيرة من المجتمع الأمريكي بحسب المحللين السياسيين، وبالفعل، خرج منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض جون كيربي بالقول إن المقابلة التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون لن تؤثر على الدعم الأمريكي لأوكرانيا. ويرجح الديمقراطيون أن الصحفي كارلسون الذي يدعم دونالد ترامب، ذهب بمهمة محددة للغاية إلى موسكو لإزعاج خصوم ترامب الديمقراطيين، لا سيما وأن الولايات المتحدة على أبواب انتخابات رئاسية، وقد تكون المقابلة بمثابة دعم إعلامي خفي لترامب.
ووصل الأمر إلى مسؤولين سابقين في الإدارة الأمريكية، حيث هاجمت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة الصحفي، واتهمته بدعم الرئيس الروسي، وعبرت عن غضبها بتوجيه كلمات نابية للصحفي، ووصل الحد من قبلها إلى وصفه بالجرو. ورغم تقليل المسؤولين الرسميين من شأن المقابلة في تأثيرها على الرأي العام الغربي، إلا أن مسؤولين سابقين أكدوا أن المقابلة ستغير الكثير. وتوقع المستشار السابق للبيت الأبيض خلال عهد إدارة باراك أوباما، بريت براون، أنه سيكون هناك أثر سياسي سيئ لهذه المقابلة، حيث أوضح أن بوتين كان قادرا على التوجه إلى ملايين الأشخاص الذين يتابعون تاكر كارلسون ويعرض عليهم الموقف الروسي من الأحداث حول العالم، لا سيما أوكرانيا. واعتبرت وسائل الإعلام المسيطر عليها في الغرب ومسؤولون أن كارلسون يدخل ضمن “الطابور الخامس”، فيما رحبت مئات آلاف تعليقات المتابعين حول العالم بالمقابلة وشكرت الصحفي والرئيس الروسي على ما وصفوه بالحقيقة الغائبة عن الجمهور العالمي، مشككين في قدرة الرئيس الأمريكي على مثل إجراء حوار من هذا القبيل، تستمر مدته لأكثر من ساعتين.
نيبينزيا: “ما يحدث في البحر الأحمر نتيجة للعملية الإسرائيلية الوحشية في غزة”