22 نوفمبر 2024

ظهر “يوم إفريقيا” من مساحة التحدي الذي خاضته دول القارة الإفريقية لمواجهة عقود من النهب والاستعمار، ورمزيته بدأت واستمرت من الصور التي عاشتها القارة في صراعها لرسم هويتها الخاصة.

في إفريقيا مشاهد لا تزال قائمة من الحقب الاستعمارية، وآثار مدمرة لصراع الشركات الأوروبية وحروب للاستئثار بثروات القارة السمراء، ورغم السنوات الطويلة منذ أن بدأت أوروبا فرض مركزيتها على إفريقيا، لكن الاستحقاق أمام الدول الإفريقية مازال قائما ويبدو أكثر خطورة بعد سبعة عقود على ظهور منظمة الوحدة الإفريقية.

المشهد التاريخي

في 25 مايو عام 1963 وقع قادة 30 دولة إفريقية من أصل 32 دولة مستقلة على الميثاق التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية في أديس أبابا، إثيوبيا.

وشكلت هذه المناسبة بداية “يوم إفريقيا” الذي ظهر  في ستينيات القرن الماضي، عندما كانت حركات التحرر تنتشر بشكل سريع عبر كافة دول العالم، وكانت إفريقيا ترمز لوضع دولي خاص يمثل الخروج من كل تبعات الماضي بكل ما يحملهمن اضطهاد شهدته هذه القارة، فظهرت من جديد إلى مسرح الحدث الدولي بعد أن كانت جغرافية ضائعة وسط صراع الشركات الغربية وتنافسها على الثروات الإفريقية.

تطور التفكير في منظمة الوحدة الإفريقية عبر التحولات الدولية فتأسست في عام 1991 الجماعة الاقتصادية الإفريقية كجزء من منظمة الوحدة الإفريقية، وفي عام 2002 ظهر الاتحاد الإفريقي عوضا عن منظمة الوحدة الإفريقية.

واستمر الاحتفال بيوم إفريقيا الذي اكتسب أهمية جديدة بعد أن تبدلت هموم التحرر باتجاه التنمية، وكسر الاحتكار الاقتصادي للمنظمات المالية الدولية مثل “البنك الدولي”، فالتأثيرات التي خلفها الأوروبيون في القارة كان لها تداعيات خطيرة ظهرت لاحقا عبر الصراعات السياسية داخل القارة، ومن خلال تدخل الشركات العابرة للقارات في التأثير على أشكال الحكم القائمة.

عمليا فإن اختيار يوم 25 مايو للاحتفال بيوم إفريقيا لا يشكل فرصة لتسليط الضوء على الإنجازات والتحديات التي تواجه الدول الإفريقية، إنما أيضا مجالا لقراءة جملة من التأثيرات التاريخية التي حملها ظهور منظمة الوحدة الإفريقية، ويلاحظ هنا ثلاثة أمور أساسية:

  • الأول: الطبيعة التاريخية لفترة التأسيس التي حملت معها تيارا واسعا ليس على المستوى الإفريقي فقط بل أيضا ضمن آسيا وأمريكا اللاتينية في كسر الاحتكار الغربي، والتفكير الجدي بأهمية خلق التكتلات الدولية.

كانت تلك المرحلة تحمل تفكيرا سياسيا لقيادات بدأت البحث عن دور إفريقي جديد، وذلك رغم الفروقات السياسية التي ميزت دول القارة.

ولعب الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي الذي استضاف الاجتماع التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية، دورا محوريا في جمع قادة الدول الإفريقية وتشجيعهم على التوقيع على الميثاق التأسيسي، وكانت قيادات أخرى ساعدت في خلق البيئة لظهور هذا اليوم، ابتداء من باتريس لومومبا الذي اغتيل قبل تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية لكنه شارك في مؤتمر أكرا في ديسمبر 1958، الذي كان بمثابة الممهد لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، مرورا بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي شارك في تأسيس المنظمة، وصولا إلى كوامي نكروما، الرئيس الغاني، الذي كان من أبرز دعاة الوحدة الإفريقية، وكان نكروما من بين الرؤساء الذين وقّعوا على ميثاق المنظمة.

  • الثاني تنوع أشكال الهيمنة على القارة الإفريقية، ففي ستينات القرن الماضي لم تعاني الدول الإفريقية من الهيمنة الاقتصادية فقط بل كان هناك أيضا شكل استعماري استيطاني في دولة جنوب إفريقيا وروديسيا (زيمبابوي وزامبيا حاليا).

هذا التنوع في شكل الاستعمار عقد من مهمة منظمة الوحدة الإفريقية، فهي لا تقتصر على تعزيز التعاون، بل أيضا مواجهة منظومات استعمارية كانت تعمل ضمن القارة لكسر أي محاولات أو تجارب يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الاستعمار الاستيطاني.

وشكلت المنظمة حالة ضغط ضمن المحافل الدولية، وعلى الأخص داخل أروقة الأمم المتحدة لتصفية ما تبقي من أشكال هذا الاستعمار.

  • الأمر الثالث ظهر في التحولات السياسية الإفريقية، فالتناقضات في التوجهات لدول تحمل كل آثار المراحل الاستعمارية جعل من منظمة الوحدة الإفريقية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تحد حقيقي لتصفية تداعيات من عقود طويلة من الاستعمار والهيمنة.

وظهر الشكل الجامع للقارة في “يوم إفريقيا” رغم كل الصراعات التي شهدتها القارة منذ تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، ولكنها في نفس الوقت اكتسبت حالة مختلفة خلال السنوات التي شهدت على سبيل المثال دعما ليبياً غير مسبوق للمنظمة خلال مرحلة الرئيس معمر القذافي، فرغم أن ليبيا كانت من الدول المؤسسة لكنها بعد عام 1971 لعبت دورا قويا في المراحل اللاحقة وكانت وراء إنشاء تجمع الساحل والصحراء في 4 فبراير 1998 الذي ضم ست دول هي: ليبيا ومالي والنيجر والسودان وتشاد وبوركينا فاسو.

وشكل التجمع اتحاد اقتصادي شامل، ينفذ مخطط تنموي متكامل مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء، ويشمل الاستثمار في الميادين الزراعية والصناعية والاجتماعية والثقافية ومجالات الطاقة.

روسيا والقارة الإفريقية

ولروسيا تاريخ طويل من التعاون مع الدول الإفريقية يعود إلى الحقبة السوفيتية، وهي لم تكن بعيدة عن “يوم إفريقيا” منذ مؤتمر أكرا عام 1958 وصولا لعام 1963، واهتمامها بالقارة كان مختلفا عن الدول الأوروبية لأنها كانت تنظر إليها ضمن الصراع الدولي العام لكسر الهيمنة الغربية.

ولم يتبدل هذا الأمر في مراحل ما بعد الحرب الباردة، فهي شريك أساسي في دعم الدول الإفريقية وفي جعل “يوم إفريقيا” يمتلك عمقا في حياة المجتمعات الإفريقية، وزادت روسيا مؤخرا من اهتمامها بالقارة حيث نما حجم التجارة الروسية الإفريقية بنسبة 30% في العام الماضي ليصل إلى حوالي 25 مليار دولار.

ويتضح الموقف الروسي من مجمل القضايا الإفريقية من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال جولته الإفريقية في تموز من العام الماضي، حيث أكد على أهمية تعزيز العلاقات الودية مع الدول الإفريقية وبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يعتمد على المساواة وسيادة القانون الدولي.

وكما شدد لافروف على أن روسيا تعطي أهمية خاصة لتعزيز العلاقات الودية مع الشركاء في إفريقيا، معتبرا أن القمة الروسية الإفريقية الثانية في سان بطرسبورغ عام 2023 خلقت الظروف لزيادة التعاون المثمر والمفيد للطرفين.

وتشكل تصريحات لافروف إستراتيجية أوضحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة الإفريقية – الروسية الثانية، فهو رفض استغلال المناخ وحماية حقوق الإنسان وما يُسمى بأجندة الأجناس لأغراض سياسية، داعيا لإشراك الأفارقة بشكل فعال في المنظمات الدولية، وأشار إلى أن موسكو تسعى لتعزيز العلاقات مع إفريقيا في مختلف المجالات، وبأن عهد القطبية الأحادية في العالم انتهى وأن روسيا وإفريقيا متضامنتان في سعيهما نحو عالم متعدد الأقطاب.

“يوم إفريقيا”.. أدوار دولية

يمثل يوم إفريقيا للأمم المتحدة اختبارا حقيقيا لالتزامها تجاه القارة ودعمها لمساعي التنمية والاستقرار، فهي تنظم مجموعة واسعة من الفعاليات والأنشطة التي تهدف إلى تسليط الضوء على التقدم الذي تحرزه الدول الإفريقية.

وتعقد المنظمة الأممية مؤتمرات تجمع بين صناع القرار الدوليين والخبراء وممثلي المجتمع المدني لمناقشة قضايا مثل السلام والأمن، التنمية الاقتصادية، تغير المناخ، وحقوق الإنسان، وتهدف المناقشات إلى تحديد الفرص والحلول للمشاكل التي تعيق التقدم في القارة وتبحث كيف يمكن للمجتمع الدولي دعم جهود إفريقيا بشكل أكثر فعالية.

ولكن الأمم المتحدة تبقى أسيرة النظام الدولي والسياسات التي تحكم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فهي محكومة بنظام مغلق وبأشكال تقليدية لعمليات الدعم.

ومقاربات الأمم المتحدة لا تختلف كثيرا عن رؤية الاتحاد الأوروبي، وعلى الأخص الولايات المتحدة التي تملك دورا مزدوجا في القارة: الأول هو السعي إلى تحقيق تفوق استراتيجي على مستوى تواجدها الدولي، أما الثاني فهو التحكم بحركة الثروات الخام التي تشكل القارة الإفريقية منجما لها، فلا تظهر الولايات المتحدة ضمن وجود تقليدي فهناك مبررات متعلقة بمكافحة الإرهاب تتيح لها التحرك الواسع في القارة، وتعيق من خلالها استقلالية السياسة الإفريقية عموما.

ويعد يوم إفريقيا هو تذكير سنوي بأن القارة لا تزال تسعى لكتابة تاريخها بأيدي أبنائها، بعيدا عن النماذج الغربية التي حاولت فرض نفسها على القارة، وهو يوم يحتفي بالتقدم ويسلط الضوء على التحديات التي تواجه القارة، وتأكيد على أن مستقبل إفريقيا يجب أن يقرره الأفارقة أنفسهم، في سعيهم لعالم أكثر عدالة ومساواة، حيث تظل العلاقات الدولية مع إفريقيا محورا رئيسيا لتحقيق الاستقرار والتنمية في القارة، مع استمرار التحديات الناتجة عن الإرث الاستعماري والهيمنة الغربية.

بقلم مازن بلال

دراسة تكشف دور الأشعة الكونية في تفاقم فيضانات ليبيا المدمرة

اقرأ المزيد