22 نوفمبر 2024

أثار تعيين أندريه بيلوسوف، المدني القادم من خلفية اقتصادية، وزيراً للدفاع في روسيا، ردود أفعال متباينة، بين قلق وترقب في أوكرانيا والغرب نظراً للمفاجأة التي حملها هذا التعيين، وترحيب في الداخل الروسي وآمال بالنسبة لأصدقاء موسكو بتطوير كبير للعلاقات، نظراً لأفكار الرجل الذي لعب في السنوات الماضية دوراً بارزاً في صياغة الاقتصاد الروسي، والانفتاح المتزايد على الدول المنتفضة على الاستعمار.

من هو بيلوسوف
ولد بيلوسوف في 17 مارس 1959 في موسكو في عائلة رجل الاقتصاد السوفيتي، المشارك في تطوير الإصلاح الاقتصادي في الستينيات، ريم بيلوسوف (1926-2008).

في عام 1981، تخرج من كلية الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية التي تحمل اسم لومونوسوف، في اختصاص الاقتصاد، وحصل على دكتوراه في العلوم الاقتصادية، في عام 1986، ليعمل باحثاً في المعهد المركزي للاقتصاد والرياضيات التابع لأكاديمية العلوم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.

بين عامي 1986 و 1990 عمل في معهد الاقتصاد والتنبؤ بالتقدم العلمي والتكنولوجي التابع لأكاديمية العلوم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، ليتسلّم بعدها منصب كبير الباحثين ورئيس مختبر معهد التنبؤ الاقتصادي الوطني التابع للأكاديمية الروسية للعلوم.

في العام 2000 عمل مديراً عاماً لمركز التحليل الاقتصادي والتنبؤ على المدى القصير وفي نفس الوقت مستشارا مستقلا لرؤساء الحكومة الروسية. وفي الفترة من فبراير 2006 إلى يوليو 2008، شغل منصب نائب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة في روسيا الاتحادية، وتسّلم بعدها إدارة دائرة الاقتصاد والمالية في حكومة روسيا الاتحادية حتى العام 2012.

من مايو 2012 إلى يونيو 2013 شغل منصب وزير التنمية الاقتصادية لروسيا الاتحادية في حكومة دميتري ميدفيديف. وكان مديراً من قبل روسيا في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير ونائب مدير من قبل روسيا في البنك الدولي للإنشاء والتعمير.

في 24 يونيو 2013، عمل في إدارة الرئيس الروسي، وشغل حتى 21 يناير 2020 منصب مساعد رئيس الدولة فلاديمير بوتين في القضايا الاقتصادية. ومن يونيو 2015 إلى سبتمبر 2018 شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة النفط “روسنفت”، ثم شغل منذ 21 يناير 2020 منصب النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين.

وفي الفترة من أبريل إلى مايو 2020، شغل منصب رئيس الحكومة بالنيابة، في حكومة ميشوستين الأولى، ومنذ عام 2022، أشرف أيضا على تطوير تقنيات إنشاء مركبات النقل العالية السرعة وأنظمة التحكم الذكية ومعدات النقل من الجيل الجديد.

حصل على وسام الشرف سنة 2009، كما تم تكريمه من قبل الرئيس الروسي. وهو مؤلف كتاب “تطور نظام إعادة إنتاج الاقتصاد الروسي: من الأزمة إلى التنمية” (2006).

ترحيب في الداخل الروسي
لقي تعيين بيلوسوف المفاجئ بمنصب وزير الدفاع ترحيباً في الأوساط الروسيّة، لما له من باع طويل في التنمية الاقتصادية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على المؤسسة العسكرية ويعطيها دفعاً تنموياً.

وفي أول ظهور رسمي له بعد ترشيحه لتولي مهام وزارة الدفاع الروسية، وصل أندريه بيلوسوف – وكانت ترافقه رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو التي وصفته بأنه “ذكي ومثقف”، واستطردت ” في جميع المناصب السابقة ، حقق دائماً نتائج إيجابية، بالإضافة إلى ذلك ، فهو شخص يفكر استراتيجيا ، واستراتيجي … يبدو لي أنه لن يستغرق وقتا طويلا لإحداث فرق بعد توليه مهامه”.

كذلك، وصف إيغور كوروتشينكو ، رئيس تحرير مجلة الدفاع الوطني تعيين بيلوسوف بأنه ” قرار ناجح بشكل استثنائي”، وقال” هو بلا شك رجل دولة ووطني يتمتع بخبرة عملية واسعة ، ومعروف بنظرته الاستراتيجية ونهجه الإبداعي لحل مجموعة واسعة من المهام الأكثر تعقيداً وإلحاحاً التي تواجه الاتحاد الروسي. التعيين في منصب وزير الدفاع، بطبيعة الحال، يرجع أيضا إلى ثقة الرئيس الشخصية فيه”.

ورأى كوروتشينكو أن بيلوسوف “سيدمج جميع الأشياء الضرورية التي يجب القيام بها لتنفيذ أفكار فعالة من أجل تحقيق النصر في العملية العسكرية الخاصة، ومواصلة العمل الجماعي المنسق جيدا للإدارة العسكرية”. بالإضافة إلى ذلك ، تابع كوروتشينكو ” سيكون بيلوسوف قادرا على زيادة كفاءة استخدام الموارد المالية التي تخصصها الدولة للدفاع، وتحسين قضايا أوامر الدفاع الحكومية وتوريد الأنواع الحديثة من الأسلحة والمعدات العسكرية”.

المراسل العسكري لكومسومولسكايا برافدا، ديمتري ستيشين، لفت في منشور له عبر قناته على “تلغرام” إلى أن بيلوسوف  قدم تقريرا إلى بوتين حول أهمية الطائرات بدون طيارعندما لم تكن سائدة بعد، وقال ” يشير تعيين شخص ذو نواة اقتصادية إلى وجود حرب عقول وموارد، وليس تقارير وجداول، لذلك تم اتخاذ مثل هذا القرار”.

مخاوف في أوكرانيا والغرب
أثار تعيين بيلوسوف نقاشاً واسعاً في الصحافة الأوكرانية والغربية، حيث وصفت كل من ” فاينانشال تايمز” و “اندبندنت” هذا التعيين بأنه “مفاجأة”، واعتبرت الصحيفتان أن التغييرات الوزارية في روسيا تعتبر الأكبر منذ بدء الاتحاد الروسي، في حين ذكرت “بلومبيرغ” أن بيلوسوف يحظى بثقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي أوكرانيا، أعرب الاقتصادي الأوكراني أوليكسي كوشش قلقه من هذا التعيين، وقال “لا ينبغي توقع أي شيء جيد من هذا بالنسبة لنظام كييف”، وأضاف “يمكننا الآن توقع زيادة حادة في ديناميكيات المجمع الصناعي العسكري الروسي وزيادة في الإنتاج العسكري في الاتحاد الروسي.

شركاء روسيا في إفريقيا والعالم العربي
ينظر إلى تعيين الاقتصادي بيلوسوف بمنصب عسكري حساس على رأس المؤسسة العسكرية، نظرة إيجابية كبيرة بالنسبة لشركاء روسيا في إفريقيا والعالم العربي، فقد لعب الرجل دوراً كبيراً في الفترة الماضية كونه مستشاراً اقتصادياً مؤثراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فالتعاون المتزايد الذي نراه مؤخراً بين روسيا ودول إفريقيا وشبه الجزيرة العربية هو نتيجة لاقتراحات بيلوسوف.

ويعرف بيلوسوف بحرصه الشديد على مصالح روسيا في حماية سيادتها، كذلك يعرف بنظرته المحترمة للشركاء، الأمر الذي يظهر بوضوح عبر اقتراحه المستمر للتعاون النشط والمتساوي مع الأصدقاء والشركاء في جميع أنحاء العالم، وهي نقطة تمنح روسيا نقاطاً في علاقاتها مع الدول الإفريقية التي تشهد نهوضاً لافتاً لحركات التحرر الوطنية، وتنفض عن نفسها عصر الاستعمار الفرنسي والغربي عموماً.

ونظراً لأفكار بيلوسوف، يمكن للدول الإفريقية أن تتوقع بكثير من الثقة مزيداً من المساعدة الروسية في التحرر من الماضي الاستعماري والتعاون في مجالات التعاون العسكري.

في هذا السياق، يعتبر المحلل العسكري فلاديمير بروخفاتيلوف بيلوسوف بأنه “واحد من المبادرين للاقتراحات المثيرة للاهتمام حول إقامة تعاون عسكري تقني مع الدول”، ولفت إلى التقرير الذي نشره بيلوسوف بالتعاون مع مركز التحليل الاقتصادي الكلي والتنبؤات قصيرة الأجل (ЦМАКП)، والذي يحدد اتجاهات التعاون الدفاعي الجاد مع الدول الصديقة.

وفي 16 مايو، شارك دميتري بيلوسوف، بصفتخ رئيساً لمركز التحليل الاقتصادي الكلي والتنبؤات قصيرة الأجل في المؤتمر العام “تجزئة النظام المالي والنقدي العالمي: التحديات والاستراتيجيات لتشكيل السيادة المالية للدولة” في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي كجزء من المنتدى الأكاديمي السادس لمجتمع الاقتصاد الحر في موسكو، حيث قدم محاضرة بعنوان “السيادة كقيادة: معالم العمل المطلوب”.

ووفقاً لبيلوسوف فإن أساس السياسة السيادية لروسيا هو التوافق على المصالح المشتركة بين موسكو وحلفائها وتعزيز العمل المشترك، بختلف المجالات التقنية والعلمية والإنتاجية وتوفير البنية التحتية (بما في ذلك الرقمية)، وتجاوز القيود التي تفرضها “الهيمنة الغربية”، بالإضافة إلى تعزيز البرامج التعليمية المشتركة.

ويرى بيلوسوف أن رهان روسيا هو على موقعها كواحدة من “القادة الثانويين” في التنمية الاقتصادية والتكنولوجية للدول النامية والدول الشريكة يمكن أن يتعزز عبر:

– الوصول غير التمييزي للدول الشريكة إلى الإنجازات التكنولوجية (خدمات الاتصال الفضائي، قواعد البيانات لتطوير الأدوية واللقاحات، إلخ)، وضمان عدم السيطرة على تشغيل المنتجات التقنية المعقدة والمنصات.

– إعادة ضبط نظام التعاون مع الدول الصناعية والجديدة في الصناعة، مما يفتح لروسيا أسواقاً جديدة ويسمح لها بتجاوز العقوبات بمرونة وفعالية.

– تشكيل نظام مدفوعات للدول الصديقة والمحايدة بناءً على تحالف “بريكس” و”الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي”، الأمر الذي يعزز العملات المحلية ويدفع للتحلص من سيطرة الدولار.

– دعم المبدعين والخبرات الوطنية لتقديم حلول تكنولوجية بديلة ومستقلة عن الدول الغربية.

– توفير الحلول الوسيطة التكنولوجية في مجالات الطاقة (بما في ذلك النووية)، والطيران (في المستقبل – بدون طيار)، والفضاء وغيرها.

– زيادة رأس مال النظام التعليم التقليدي والتقني من خلال جذب الطلاب من الدول النامية.

بشكل عام، يمكن تلخيص فكر بيلوسوف بأنه يسعى لدعم بناء “الاقتصاد والتكنولوجيا المناهضة للاستعمار” وفق نظام يكون فيه جميع الشركاء متساوون لامكان للاحتكار فيه، لتكون التنمية للجميع، وليس فقط لأعضاء محددين، ما يجعل آفاق التعاون في المستقبل أكبر وأكثر اتساعاً ومرونة، وتحقق الربح العادل للجميع.

بالتعاون مع روسيا.. القوات المالية تدحر الجماعات المتشددة

اقرأ المزيد