05 يوليو 2024

أثارت الأخبار عن تحضيرات لعقد قمة أمنية مصغرة في فرنسا لتشكيل وحدات عسكرية مشتركة في ليبيا تحت إشراف أمريكي _ بريطاني جملة مؤشرات بشأن تعامل واشنطن مع الملف الليبي.

وتأتي هذه الخطوة في ظل تحركات أمريكية متسارعة، ولقاءات يجريها الدبلوماسيون الأمريكيون في ليبيا بهدف التحضير للانتخابات التي مازالت متعثرة، وهو ما يرسم سؤالاً محورياً حول الأهداف الاستراتيجية لواشنطن، وآلية تعاملها مع الملف الليبي في ضوء مستجدات مرتبطة بشمال إفريقيا عموماً، حيث يبدو التواجد العسكري للولايات المتحدة محاصراً بتحولات كثيرة، وبمواقف تسعى لتقليص النفوذ الأمريكي على طول الساحل الإفريقي.

إطار أمني للأزمة

وأشار موقع “أفريكا أنتليجنس” الفرنسي إلى أن القمة الأمنية في فرنسا تحاول التركيز على تأمين الحدود الليبية الواقعة تحت سيطرة فصائل قبلية في الغرب والجنوب وقوات اللواء خليفة حفتر في الشرق، وذلك عبر تشكيل وحدات عسكرية مشتركة بالتعاون مع رؤساء الأركان العامة الليبية في الشرق والغرب، إضافة إلى ضباط من اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، وتهدف هذه الإجراءات إلى توحيد الجيش الليبي وتطوير برامج نزع السلاح وإعادة الدمج للمجموعات المسلحة.

عملياً فإن التفكير بالمسألة الليبية وفق السياق الأمني الذي يمكن أن تقدمه “قمة باريس”، فيما لو عقدت يطرح مسألتين أساسيتين:

الأولى مرتبطة بإضفاء طابع أمني على “الحل السياسي” ومسألة الانتخابات، خصوصا أن طرح قمة في باريس يأتي في سياق إجراءات متوازية من الإدارة الأمريكية، حيث تقوم شركة “أمنتوم” الأمريكية شبه العسكرية بتدريب الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بهدف دمج هذه العناصر ضمن إطار جيش نظامي موحد.

والواضح أن إضفاء طابع أمني على العمليات السياسية الليبية سيساعد واشنطن في الضغط على بعض الأطراف السياسية، وتأسيس لتحالفات مختلفة تستهدف مراكز القوى في ليبيا، وذلك بغض النظر عن الشرعية التي ستظهر نتيجة الانتخابات، فالتحرك الغربي عموما يحاول استباق العملية الانتخابية، خصوصا أنها ماتزال غير مضمونة النتائج، والتنافس فيها لم يرسم بعد خارطة سياسية ليبية واضحة.

والأمر الثاني يرتبط بخلق “مخاوف سياسية” عند كافة الأطراف قبل التحضير للانتخابات، فجعل الأزمة الليبية ضمن سياق أمني يوحي بإمكانية المواجهة مع أطراف إقليمية أو حتى محلية، ورغم أن الشكل الاستراتيجي لمثل هذا الأمر يظهر مخاوف من النفوذ الروسي، لكنه على المستوى المحلي الليبي سيوجد حالة من التوتر تجاه مخاطر غير واضحة.

والمخاوف الغربية واضحة في هذه الخطوة، فهو مواجهة مباشرة للنفوذ الروسي في شرق ليبيا الذي ينتشر وفق التصور الأمريكي نحو دول إفريقية أخرى، لكن هذه المخاوف تنعكس بشكل سلبي على الواقع الليبي، وترسم تداعيات مختلفة تعزز الانقسام السياسي بشكل لا يساعد في الاستقرار وتحقيق الانتخابات بشكل شفاف ونزيه.

تحركات أمريكية

يتم رسم السياق الأمني للأزمة الليبية على خلفية سياسية يجسدها تحرك السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند، فزياراته الميدانية المتعددة تعزز توجه واشنطن لرسم ملامح سياسية للعملية الانتخابية، فهناك مسار سياسي لا يقتصر على الدور الخاص المعتاد لأي سفير وفق البروتوكولات الدولية، بل يتعداه باتجاه ترتيب التفاصيل الداخلية، ويقدم تحرك نورلاند ثلاث مسائل أسساسية:

والمسألة الأولى هي التأثير على المسارات السياسية الأقل تعقيدا، ويظهر هذا الموضوع في لقاءاته مع القيادات المحلية مثل لقائه بعميد بلدية مصراتة محمود السقوطري، وإبداء دعمه للانتخابات البلدية.

بينما تتمحور المسألة الثانية في محاولة السفير الأمريكي التأسيس لنقاط ارتكاز أساسية من خلال التعامل مع التفاصيل المرتبطة بالحدث الليبي الداخلي، ويظهر هذا الموضوع بشكل واضح عبر التركيز على المواضيع الاقتصادية الفرعية، وزيارته للمنطقة الحرة في مصراتة، أو لقاءه مع فرحات بن قدارة، رئيس مؤسسة النفط الليبية، لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية في قطاع الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة.

وأما المسألة الثالثة تتعلق في إضفاء شرعية خاصة لتحركاته خارج إطار الأداء الرسمي للحكومة الليبية، حيث يلتقي مع “الشباب”، وعن ممثلين عن لجنة المصالحة بين تاورغاء ومصراتة، وعقد اجتماعات مع مندوبين من مختلف المناطق الليبية، بما في ذلك طرابلس، لمناقشة سبل حماية سيادة ليبيا في ظل الاضطرابات الإقليمية.

وتقدم تحركات نورلاند التصورات الأمريكية التي تحكم استراتيجيتها تجاه الحل السياسي، حيث يتحرك الأمريكي متجاوزا الشرعية السياسية في ليبيا، كما يعمل على تأسيس نقاط ارتكاز داخل كافة المؤسسات الليبية، وعلى مستوى التشكيلات الاجتماعية.

وبالنسبة لواشنطن، فإن العمليات الانتخابية الليبية هي في النهاية إجراء يمكن عبره تجسيد نفوذها خصوصا في ظل البحث عن “مواجهة” ما تسميه واشنطن النشاط الروسي في ليبيا، وهذا الأمر يتضح في تحذيرات المبعوث الأمريكي السابق إلى ليبيا، جوناثان واينر، من نوايا روسيا لإنشاء قاعدة بحرية على الساحل الليبي الشرقي.

وتظهر العملية السياسية في ليبيا في إطار التوجه الأمريكي الجديد كمواجهة على المستوى الإفريقي، فهي ليست مجرد تكريس لشرعية جديدة في “ليبيا ما بعد الحرب”، بل تأسيس لتصور أمريكي لكل أوجه النشاطات الليبية، وطرح جبهة دولية في الشمال الإفريقي لتعويض المواقف الجديدة لبعض الدول الإفريقية تجاه واشنطن.

بقلم مازن بلال

تقرير: الغرب يتحكم في ملف الإنفاق العام الليبي

اقرأ المزيد