يشهد السودان حالياً نقاشات مكثفة حول نقل العاصمة المؤقتة من بورتسودان إلى عطبرة، وهي خطوة تبدو مدفوعة بالتدهور الأمني والاقتصادي الذي يواجه البلاد.
وأثار هذا القرار تساؤلات حول كونه خطوة استراتيجية مدروسة، أو أنه ضرورة فرضتها الظروف الراهنة.
وتقع عطبرة على بعد نحو 310 كيلومترات شمال العاصمة الخرطوم، وتمتاز بموقع جغرافي يجعلها محوراً لوجستياً رئيسياً يربط بين مختلف أقاليم السودان عبر شبكة متكاملة من الطرق وخطوط السكك الحديدية.
ويمنحها هذا الموقع، إلى جانب قربها من سد مروي ومشاريع الطاقة المائية، القدرة على تلبية احتياجات المؤسسات الحكومية من الكهرباء والمياه، وهي عوامل بالغة الأهمية في ظل التحديات الاقتصادية المستمرة.
وفي المقابل، تعاني بورتسودان، التي تقع على الساحل الشرقي وتعدّ ميناء رئيسياً للسودان، من ضغوط هائلة نتيجة التدفق الكبير للنازحين من مناطق النزاع، ما أدى إلى استنزاف موارد المدينة، خاصة في ظل نقص الخدمات الأساسية وارتفاع الضغط على البنية التحتية.
كما أن بعد بورتسودان الجغرافي عن الداخل السوداني يجعل من التواصل السريع والفعّال مع الأقاليم الأخرى تحدياً كبيراً، ما يضعف من قدرتها على تحمّل الأعباء الإضافية المرتبطة بإدارة شؤون الحكومة.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن نقل العاصمة إلى عطبرة قد يخفف من الضغط على بورتسودان، ويعيد توزيع الأعباء بين المدن السودانية، وقد تتمكن بورتسودان حينها من التركيز على دورها كميناء رئيسي ومنفذ اقتصادي استراتيجي، وهو ما تحتاجه البلاد في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة.
ولكن الأمر لا يتوقف عند الاعتبارات اللوجستية فقط، فعطبرة تحمل رمزية وطنية كبيرة، حيث تعتبر مركزاً تاريخياً للحركة العمالية والنضالات الوطنية، ولعبت دوراً محورياً في الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير في أبريل 2019، وهذا الإرث الوطني قد يعزز من الدعم الشعبي لنقل العاصمة المؤقتة إلى عطبرة، ويظهر جدية الحكومة في إعادة بناء الدولة على أسس جديدة تتناسب مع تطلعات الشعب السوداني.
ورغم مزايا عطبرة اللوجستية والأمنية، تواجه الحكومة تحديات كبيرة في تنفيذ هذا القرار، حيث أن نقل العاصمة المؤقتة يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنسيقاً بين مختلف القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية والخدمات الأساسية.
ووفقاً لمصادر مطلعة، يجري حالياً العمل على توسعة وصيانة مطار عطبرة لاستقبال الرحلات المحلية والدولية، مما يشير إلى جدية التخطيط لهذه الخطوة.
ومن الناحية السياسية، قد يمثل نقل العاصمة إلى عطبرة تحركاً نحو توزيع السلطة بين الأقاليم المختلفة، في محاولة لتهدئة التوترات السياسية في بعض المناطق التي طالما شعرت بالتهميش، ووجود العاصمة في منطقة أكثر مركزية قد يعزز الشعور بالتوازن السياسي، ويدعم جهود الحكومة الانتقالية في إعادة بناء السودان على أسس أكثر شمولية.
ومع كل هذه المزايا، يبقى التنفيذ الناجح لهذا القرار مرهوناً بالتخطيط المتكامل والقدرة على مواجهة العقبات التي قد تظهر في الطريق.
وزير الصحة السوداني: خسائر القطاع الطبي وصلت إلى 11 مليار دولار