تستعد الجزائر لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة حددها الرئيس والمرشح الأوفر حظاً عبد المجيد تبون في السابع من سبتمر المقبل، في ظل تعقيدات سياسية داخلية وخارجية تحيط بالبلد الذي أضحى لاعباً بارزاً في الشمال الإفريقي.
وتأتي هذه الانتخابات في وقت يتواجه في الجزائر اتهامات عديدة تتمحور بمعظمها حول الحريات السياسية في البلد، والنظام الرئاسي وسلطة الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي كان رئيساً للوزراء في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما تعتبره الهيئات المعارضة الجزائرية استمرارا لهيكل السلطة القائم.
الجزائر الحالية.. والعشرية السوداء
يعود هذا الصراع إلى ديسمبر عام 1991، عندما استطاعت “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” هزيمة الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) في الانتخابات البرلمانية الوطنية. ألغيت الانتخابات بعد الجولة الأولى وتدخل الجيش للسيطرة على البلاد خوفاً من سقوطها بيد “الإسلاميين”، حيث تم حظر “الجبهة الإسلامية” واعتقل الآلاف من أعضائها.
شنت الجماعات الإسلامية حملة مسلحة ضد الحكومة ومؤيديها، وقامت بإنشاء جماعات مسلحة اتخذت من الجبال قاعدة لها، حاولت الحكومة الجزائرية تجاوز الأزمة عبر مفاوضات مطولة، تخللها فوز مرشح الجيش الجنرال اليمين زروال، ليكون سادس رئيس للجمهورية، حيث بدأت الجماعة الإسلامية المسلحة وجماعة التكفير والهجرة التي أتخذت الجبال قاعدة للهجوم بسلسلة من مذابح تستهدف الأحياء أو القرى المؤيدة للحكومة بأكملها بلغ ذروته في عام 1997.
في عام 1999 تم انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيساً جديداً للبلاد، وبدأ عدد كبير من المقاتلين بالإنسحاب والإستفادة من قانون العفو الجديد، وبدأت الجماعات تنحل وتختفي جزئيا بحلول عام 2002 وتوقفت عمليات القتال، باستثناء مجموعة منشقة تسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي انضمت لاحقاً إلى تنظيم “القاعدة” في أكتوبر 2003.
في العام 2019، أعلن الرئيس بوتفليقة تنحيه، بعد موجة احتجاجات، وفارق الحياة بعدها بعامين، ليتسلم عبد المجيد تبون، الذي شغل منصب رئاسة الوزراء في عهد بوتلفيقة رئاسة البلاد، الأمر الذي يؤكج استمرارية النهج السياسي القائم في الجزائر بعد النجاح الكبير لهذا النهج في الحفاظ على وحدة البلاد وتجاوز “الإسلام السياسي”، وطي مجاز العشرية.
الواقع السياسي
تتميز البيئة السياسية الجزائرية بتركيز للسلطة في يد الرئيس، وهو يتحكم فعليا في السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويعين الرئيس أعضاء مجلس الشيوخ ويمكنه نقض أي تشريع، كما يرأس المجلس الأعلى للقضاء ويعين ويعزل القضاة.
وتمثّل المؤسسة العسكرية القوة الأكثر تأثيراً في السياسة الجزائرية منذ الاستقلال، وهو ما يظهر من خلال حضور رئيس أركان الجيش في اجتماعات هامة مثل تحديد موعد الانتخابات والسماح لضباط الجيش بتسيير المؤسسات والإدارات الحكومية، كما تلعب المؤسسات الحكومية دورا كبيرا، فحضور رؤساء غرفتي البرلمان ورئيس المحكمة الدستورية في اجتماعات هامة يشير إلى دعم مؤسساتي قوي للرئيس تبون، وعدد المؤسسات الرسمية الداعمة يصل إلى 3 على الأقل.
الانتخابات الحالية
يؤكد الرسم البياني التالي للعوامل المؤثرة على الانتخابات الرئاسية القادمة في الجزائر الأثر الكبير للجيش:
في المقابل فإن وجود 5 أحزاب معارضة صغيرة تبحث عن مرشح موحد يعكس ضعف المعارضة، وهو ما يزيد من فرص تبون للفوز في الانتخابات، في وقت يبدو فيه تقديم موعد الانتخابات إلى سبتمبر 2024 بفارق 3 أشهر سيكون لصالح الرئيس الحالي، أما الإعلام فدوره غير واضح رغم وجود قانون جديد للإعلام.
على الصعيد الاقتصادي فإن ارتفاع أسعار النفط والغاز يمكن أن يؤثر إيجاباً على شعبية الرئيس، في الوقت الذي يشكل الحراك الشعبي في 2019 وتأثيره المستمر إحدى التحديات الأساسية، فرغم مرور خمس سنوات على الأحداث التي أدت لإزاحة بوتفليقه، لكن ظلالها السياسية مازالت باقية، وتملك رمزية خاصة لدي الشعب الجزائري، تبقى المؤسسات غير الحكومية فتأثيرها غير محدد بسبب القوانين السائدة في الجزائر.
لا البت بشكل نهائي بفوز الرئيس تبون، فرغم كل العوامل السابقة هناك تطورات لا بد من أخذها بعين الاعتبار تبدأ من محاول المعارضة تنظيم صفوفها، فرغم أن هذه الأحزاب تفتقر للتمثيل البرلماني والشعبي الواسع، ولم يتم الإعلان عن أي مرشح قوي، تعيد مسألة المنافسة السياسية رسم الشارع السياسي، وتطرح تطورات واحتمالات كثيرة، ففي الانتخابات الحالية أعلنت ثلاث نساء النية في الترشح ما يعكس الخطوة طموحاً لمشاركة المرأة في الحياة السياسية، إلا أن تأثيرها الحقيقي على المشهد السياسي العام سيبقى محدودا على المدى المنظور.
الدور الإقليمي
على عكس تجارب عديدة في دول أخرى، تتمسك الجزائر، أياً كانت نتائج الانتخابات بمجموعة من المواقف المعلنة غير القابلة للتبدل، في المدى المنظور، وسواء تعلق الأمر بالصحراء الغربية أو الحرب الإسرائيلية على غزة.
وخلال الأزمة الأخيرة في غزة، لعبت الجزائر دوراً مهما مستخدمة مواردها الاقتصادية كثاني منتج للنفط في إفريقيا، ونفوذها الدبلوماسي من خلال موقعها في الأمم المتحدة، حيث دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال.
وفي نفس الوقت يلعب الاقتصاد الجزائري دورا أساسيا في رسم سياساتها فهي عضو مؤثر في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ما يمنحها قدرة كبيرة على التأثير في أسواق الطاقة العالمية والاقتصادات الإقليمية.
كذلك، يعتبر الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا جزءا من استراتيجيتها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز النمو، وهذه العوامل تلعب دورا أساسيا في تعميق تأثيرها على السياسات الإقليمية، خصوصا مع وجودها ضمن مثلث جغرافي حساس عبر حدودها مع ليبيا التي تشهد عدم استقرار سياسي، والنيجر التي شكلت تحالفا سياسيا إفريقيا جديدا لمواجهة الغرب.
وسط هذا الواقع تدخل مشكلة الصحراء الغربية كجزء من التحديات للسياسة الجزائرية، فهذا الموقف التاريخي للجزائر جعل قضية الصحراء الغربية جزءا أساسيا من سياستها الخارجية، والتي تعتبرها الجزائر مسألة تصفية استعمار، لكنها تستخدم ورقة الصحراء لموازنة نفوذ المغرب في المنطقة، وقد نجحت في كسب اعتراف دولي بقضية الصحراء الغربية، وجعلت من هذه المسألة بوابة لتقوية علاقاتها بأوروبا بشكل خاص.
أياً كانت نتائج الانتخابات الرئاسية في الجزائر لن تغير من مواقفها السياسية، على المدى المنظور على اقل تقدير، في ظل التجذر الكبير للسلطة وقدرتها على إدارة البلاد، بالإضافة إلى نجاحها في خلق توازنات سياسية مع دول الجوار والدول العظمى، تسمح لها بلعب دور بارز، ينعكس بمجمله على هدوء نسبي في الداخل الجزائري المتماسك.
بقلم مازن بلال
المنتخب المصري للناشئين يسحق نظيره الليبي بسباعية (فيديو)