عاد ملف النفايات الإيطالية ليشغل الرأي العام التونسي مجددا، بعد تصريحات جديدة أثارها النائب التونسي السابق والناشط البيئي المقيم في إيطاليا، مجدي الكرباعي، الذي تحدث عن منظومة واسعة تعمل على تهريب نفايات نسيجية خطرة إلى تونس، متنكرة خلف تجارة الملابس المستعملة.
قال الكرباعي، إن الأمر لا يتعلق بشحنات بسيطة أو مخالفات معزولة، بل بشبكة منظمة تستغل ثغرات قانونية ورقابية في الموانئ الأوروبية والتونسية لتمرير نفايات نسيجية غير قابلة للتدوير، محملة بمواد سامة وملوثات، بينما تصرح في الوثائق على أنها “ملابس جاهزة لإعادة الاستخدام”.
وأوضح أن جزءا ضئيلا من هذه الشحنات يعرض لاحقا في الأسواق الشعبية، في حين ترسل كميات ضخمة إلى المصبات العشوائية داخل تونس أو تحرق في مواقع غير مؤهلة، ما يسبب أضرارا بيئية خطيرة.
وأشار الكرباعي إلى أن تقارير منظمات بيئية دولية، مثل Greenpeace وLegambiente، حذرت مرارا من استخدام تونس ودول شمال إفريقيا كـ”مكب خلفي” للنفايات الأوروبية، لافتا إلى أن حجم المنسوجات المستعملة المصدرة من الاتحاد الأوروبي إلى إفريقيا بلغ نحو 900 ألف طن سنة 2022، يتحول نصفها تقريبا إلى نفايات تدفن أو تحرق.
وأضاف أن عمليات التهريب تتم عبر طرق “مدروسة”: خلط كميات قليلة من الملابس القابلة للبيع مع أطنان من الأقمشة الرديئة، استخدام رموز جمركية مضللة تخفي حقيقة كونها نفايات، الاعتماد على شبكات وسطاء ووكلاء شحن ينسقون عمليات تغيير محتوى الحاويات أو وجهتها، وفي أحيان أخرى، وجود تواطؤ داخل بعض الإدارات الجمركية.
وأكد أن الأدلة المتاحة اليوم لا تترك مجالا للشك بأن تونس تواجه “منظومة كاملة” تعمل وفق مصالح اقتصادية ضخمة، تشبه في تركيبتها المافيات المنظمة، مستشهدا بتقارير رسمية إيطالية من منطقة كامبانيا التي رصدت بالفعل نشاط شبكات إجرامية في هذا المجال.
وبيّن الكرباعي أن الآثار البيئية والصحية لهذه الممارسات خطيرة، إذ تحتوي بعض النفايات على صبغات ومعادن ثقيلة تتسرب إلى التربة والمياه، بينما تؤدي عمليات الحرق المفتوح إلى انبعاثات سامة تهدد صحة السكان القريبين من مواقع التخلص العشوائي.
وحذّر من أن البنية التحتية التونسية الحالية لا تملك الوسائل الكافية لمعالجة هذه الكميات الهائلة من النفايات، رغم وجود مشاريع محدودة لإعادة تدوير المنسوجات بدعم أممي وأوروبي.
وأكد أن الحل يتطلب إجراءات عاجلة من تونس وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، تشمل: تعزيز الرقابة في الموانئ، فرض فحص دقيق على كل شحنة، تطوير مختبرات تحليل في الموانئ، وضع عقوبات صارمة على الشركات المخالفة، وإرساء مسار شفاف لتتبع سلاسل توريد الملابس المستعملة.
وختم الكرباعي بأن عدم التحرك السريع قد يؤدي إلى تكرار سيناريو فضيحة حاويات 2020، قائلا: “هذا ليس ملفا ثانويا… إنها قضية أمن بيئي وصحي وطني، تتطلب إرادة سياسية حقيقية قبل أن تتحول تونس إلى مكب عملاق للنفايات الأوروبية”.
ليبيا.. القبض على تونسيين في الحدود الغربية بتهمة حيازة أسلحة
