28 أكتوبر 2024

أطلقت مدينة بنغازي مشروع منطقة ماريسا الاقتصادية الحرة الممتد على مساحة 1200 هكتار، وهذا المشروع سيشكل تحد ليس في كونه الأكبر في ليبيا وشمال إفريقيا، بل بداية تنوع اقتصادي في بلد يعتمد تاريخياً على عائدات النفط.

يشكل المشروع رؤية مختلفة للاقتصاد في المنطقة الشرقية من ليبيا، فهو ينتقل نحو اقتصاد أكثر ديناميكية وتنوعاً، حيث يهدف مشروع ماريسا ليصبح مركزاً تجارياً إقليمياً رئيسياً، وفي موقع استراتيجي لربط أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن تجتذب المبادرة استثمارات أجنبية كبيرة، وتحفز التنمية الصناعية المحلية، وتخلق عشرات الآلاف من فرص العمل، ويتوقع داعمو المشروع أن يساعد في تحويل هذا المشروع في تحويل السياق الاقتصادي الليبي بعيداً عن التقلبات ونحو النمو المستدام.

ماريسا: بوابة للتجارة الإفريقية

تقع منطقة ماريسا الحرة جنوب غرب بنغازي في موقع يوفر سهولة الوصول إلى طرق الشحن العالمية، ويعزز قربها من قناة السويس من قيمتها كبوابة تجارية تربط الأسواق الأوروبية بالاقتصادات الإفريقية.

وستستفيد المنطقة من شبكة الطرق الإقليمية التي تربط بنغازي بالمدن الليبية الجنوبية باتجاه تشاد والسودان، فالمشروع سيشكل عقدة للممرات التجارية الرئيسية، ما يتيح النقل السلس للبضائع بين أوروبا وإفريقيا.

ومن المتوقع أن يشمل المشروع ثماني مناطق تنمية؛ تتراوح من المراكز الصناعية والمالية والإعلامية إلى المناطق السياحية واللوجستية، ويقع في قلب المشروع ميناء رئيسي على مساحة 650 هكتاراً (6.5 كيلومتر مربع)، ومن المقرر أن يوفر مرافق حديثة للشحن والتجارة، وتضع ماريسا نفسها كمركز تجاري واستثماري قادر على المنافسة مع المناطق الاقتصادية الأكثر رسوخاً في المنطقة.

بنية تحتية غير مسبوقة

ظهر مشروع مارسا عبر تعاون مع شركات مختصة في مجال البنية التحتية والقانونية في العالم، وتم تطوير الخطة الرئيسية للمنطقة من قبل شركة الاستشارات الدولية مثل ماكدونالد، ما يضمن أساساً عالي الجودة لتطوير المشروع.

وتم تكليف شركة دي إل إيه بايبر، وهي شركة محاماة دولية، بصياغة الأطر التنظيمية التي ستحكم عمليات المنطقة، وصُممت هذه اللوائح لتوفير بيئة صديقة للمستثمرين، وتوفر المرونة والوضوح القانوني لجذب رأس المال الأجنبي.

وأكد رئيس اللجنة الاقتصادية المشرفة على مشروع ماريسا،الدكتور أحمد بن عامر، أن هدف المنطقة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر مع تعزيز توطين الصناعات وذلك من خلال الاستفادة من التقنيات الحديثة والقوى العاملة الماهرة، إضافة للقدرات الإنتاجية للصناعات المحلية بشكل كبير، وبشكل يعزز النمو الاقتصادي ويقلل من اعتماد ليبيا على النفط.

وشاركت العديد من الشركات الدولية والإقليمية الكبرى في تخطيط وتطوير المنطقة الاقتصادية الحرة في ماريسا، وتعد شركات الاستشارات العالمية وشركات البنية التحتية وشركات البناء العملاقة من اللاعبين الرئيسيين في هذا المشروع، فشركة جلوبال بيلدرز الإماراتية التي تقوم بتصميم وبناء الميناء والبنية التحتية المرتبطة به؛ يشكل أمراً بالغ الأهمية لضمان تلبية منطقة ماريسا للمعايير التجارية واللوجستية الدولية، ويجعلها وجهة جذابة للمستثمرين العالميين.

ومن المفترض أن تقوم هذه المنطقة بدمج عملياتها مع مطار تيكا الذي سيتم بناؤه قريبا الذي يقع على بعد 10 كيلومترات فقط من ماريسا، وسوف يعمل هذا التآزر اللوجستي بين النقل الجوي والبحري على تقليل تكاليف الشحن بشكل كبير، وربما بنسبة تصل إلى 50%، وستدعم البنية التحتية المشتركة حركة البضائع عبر قارات متعددة، ما يعزز بشكل أكبر من الآفاق الاقتصادية للمنطقة.

تحديات أساسية

تواجه المنطقة الحرة بمريسا تحديات أساسية تتجسد بالدرجة الأولى بالمنافسة مع الدول المجاورة، وخاصة مصر والجزائر، فالدولتان تعملان بنشاط على تطوير طرق التجارة الخاصة بهما؛ بهدف وضع نفسيهما كعقدتين أساسيتين في سلاسل التوريد في المنطقة، وتتطلب هذه البيئة التنافسية من ليبيا التركيز على التكامل الإقليمي بدلاً من التنافس، والبحث عن التعاون مع الدول المجاورة لتحقيق مكاسب اقتصادية متبادلة.

ويعتبر عدم الاستقرار أيضاً مصدرا ًقلق بالغ الأهمية أمام نجاح منطقة ماريسا في المستقبل، فهذا التحدي يعتبر رادعاً للمستثمرين الدوليين.

وفي حين أحرزت بنغازي خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة، إلا أن الأسئلة حول الأمن على المدى الطويل لا تزال قائمة، فضمان سلامة البضائع أثناء العبور أمر بالغ الأهمية لجذب الأعمال التجارية العالمية إلى المنطقة، وتدرك قيادة المشروع أنه بدون بنية تحتية أمنية قوية، ستكافح المنطقة لكسب ثقة المستثمرين الدوليين.

عمليا، تعد المنطقة الاقتصادية الحرة ماريسا حجر الزاوية في رؤية ليبيا 2040 الهادفة إلى تنويع اقتصاد البلاد، والحد من اعتمادها على صادرات النفط، وتشمل استراتيجية التنويع هذه تعزيز النمو في قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا والتصنيع والخدمات اللوجستية.

ومن المتوقع أن تلعب ماريسا دوراً حاسماً في تحقيق هذه الرؤية من خلال خلق بيئة صديقة للأعمال تسهل التجارة عبر القارات.

ومن المتوقع أيضا أن يكون التأثير الاقتصادي للمنطقة الحرة ماريسا كبيراً، وسيخلق المشروع الذي تقدر استثماراته بنحو 10 مليارات دولار، 60 ألف فرصة عمل مباشرة وما يصل إلى 420 ألف فرصة عمل غير مباشرة في مختلف القطاعات، ويمكن أن يساهم أيضاً بما يصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي الليبي بحلول عام 2050؛ مدفوعاً بنمو القطاعات غير النفطية مثل التصنيع والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا.

منصة للتكامل الإقليمي

وتمتد إمكانات ماريسا إلى ما هو أبعد من حدود ليبيا، فمن المقرر أن تصبح مركزاً تجارياً وتعمل كمنصة لتعزيز التعاون الإقليمي، وربط اقتصاد شمال إفريقيا بـ”إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” وأوروبا، حيث يأمل مطورو المنطقة في الاستفادة من هذه الميزة الجغرافية، وإنشاء مركز تجاري يربط الشركات والأسواق عبر القارات، وهو ما يفرض حاجة إلى الاستثمار المستمر في التعليم وتنمية القوى العاملة، فإعداد الليبيين لتولي الوظائف الماهرة التي ستخلقها المنطقة أمر ضروري لنجاح المشروع.

وسيمثل إطلاق المنطقة الاقتصادية الحرة في ماريسا لحظة محورية في جهود ليبيا لإعادة بناء وتنويع اقتصادها، وبفضل موقعها الاستراتيجي والبنية الأساسية الحديثة وخطط التنمية الطموحة، ستصبح ماريسا قادرة على تحويل بنغازي إلى قوة اقتصادية إقليمية، تربط بين إفريقيا وأوروبا من خلال التجارة,

وتظل التحديات قائمة، فإن المشروع يمثل منارة أمل لبلد يسعى إلى إعادة تحديد مكانته في الاقتصاد العالمي، وتنفيذه بنجاح سيطلق مرحلة جديدة من النمو والاستقرار في ليبيا، ويوفر نموذجاً للتنويع الاقتصادي في منطقة تعتمد تاريخياً على الموارد الطبيعية.

بقلم نضال الخضري

مباحثات أمريكية ليبية بشأن مقترحات بديلة في حال فشل المبادرة الأممية

اقرأ المزيد