يفتح مقتل عبد الرحمن ميلاد، المعروف باسم “بيدجا” أسئلة حول المشهد الأمني في غرب ليبيا، فالسمعة السيئة لهذه الشخصية لم تمنع ردود فعل القيادات السياسية في طرابلس.
قُتل بيجا المتورط بشكل كبير في أنشطة الاتجار بالبشر والتهريب، وجرت حادثة الاغتيال في منطقة الصياد غرب جنزور بطرابلس، حيث أثار هذا الحادث العديد من الأسئلة حول الاستقرار المستقبلي في ليبيا واحتمال تحول ديناميكيات القوة في مدينة الزاوية.
ولم يكن “بيدجا” شخصية عادية ضمن شبكة الفساد، بل شكل ظاهرة عبر سيطرته على أنشطة متعددة بما فيها تجارة النفط، وكان أيضا أحد مراكز القوى المتحكمة بأمن المدينة، وغيابه يحمل مؤشرات على صراعات ضمن المجموعات المسلحة، ما يجعل الفراغ الأمني أكثر عمقا مع تحرك الميليشيات نحو سياسة الاغتيالات.
من هو بيدجا؟
بدأ بيجا، الذي ولد باسم عبد الرحمن ميلاد في مدينة الزاوية الليبية عام 1990، وكانت حياته المهنية كضابط في خفر السواحل، لكن الحرب الأهلية حملته إلى مواقع جديدة سرعان ما أصبح معروفا كواحد من أخطر تجار البشر في ليبيا.
ويعود لقب “البيدجا” إلى كلمة محلية تشير إلى نوع من السفن الصغيرة التي تُستخدم في الصيد والنقل البحري على الساحل الليبي، وارتباط اسمه بهذه التسمية يعود إلى خلفيته وعلاقته بالأنشطة التي تجري في البحر، سواء كانت قانونية أم غير قانونية.
اكتسب “بيدجا” شهرته في المقام الأول من دوره في أنشطة الاتجار بالبشر والتهريب عبر البحر الأبيض المتوسط، وبرز كقائد في خفر السواحل الليبي، حيث تكثر الروايات على أنه دبر العديد من الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك إغراق القوارب التي تحمل مهاجرين بهدف العبور إلى أوروبا.
ويوصف بأنه زعيم إحدى أخطر شبكات الاتجار بالبشر في ليبيا، وكان أيضا الذراع الأيمن لمحمد كشلاف، المعروف بلقب “القصب”، ومحمد كشلاف ليس فقط شخصية بارزة في منطقة الزاوية بل يدير أيضا إحدى أقوى الميليشيات في المنطقة، يُعرف القصب مع “بيدجا” بنفوذه الكبير في شبكات التهريب، بما في ذلك تهريب النفط والبشر.
واتهمت التقارير والتحقيقات التي أجرتها الهيئات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، “بيدجا” بتعذيب المهاجرين وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وكان تورطه في هذه العمليات غير القانونية سببا في اتخاذ الهيئات الدولية إجراءات بحقه.
وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يونيو 2018 عقوبات عليه، ورغم ذلك واصل “بيدجا” العمل بشكل علني، مستفيدا من المشهد السياسي الفوضوي والنفوذ الذي مارسه في غرب ليبيا، وخاصة في الزاوية.
ورغم الاتهامات الخطيرة الموجهة إلى “بيدجا” فهو لم يكن حرا فحسب، بل شغل أيضا منصبا مهما داخل جهاز الأمن الليبي.
وفي أكتوبر 2020 ألقت حكومة الوفاق الوطني القبض عليه بتهم تتعلق بالاتجار بالبشر وتهريب الوقود، ومع ذلك، أُطلق سراحه في أبريل 2021، وهو القرار الذي أثار غضب الليبيين والمراقبين الدوليين، وسلط إطلاق سراحه وترقيته اللاحقة إلى منصب كبير في خفر السواحل الليبي الضوء على التفاعل المعقد بين السلطة والفساد ونفوذ الميليشيات في ليبيا.
وإضافة لعقوبات الأمم المتحدة، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “بيدجا”، وهدفت للحد من أنشطته ووصوله إلى الأنظمة المالية الدولية، لكن هذه التدابير كان لها تأثير محدود على عملياته، وظل شخصية قوية فهو محمي من قبل بعض الفصائل داخل الحكومة والجيش الليبي.
وارتبط “بيدجا” بشبكة واسعة من النخب داخل حكومة طرابلس، إضافة لعلاقاته مع بعض النخب الاجتماعية، فموته كان لحظة مهمة في مشهد الغرب الليبي المتداخل مع الجريمة وانعدام القانون، وهو ما دفع كبار المسؤولين في حكومة طرابلس لتقديم تعازيهم، بما فيهم رئيس المجلس الأعلى للدولة،خالد المشري، الذي نعى بيجا، مشيداً بجهوده في التوسط في النزاعات واستقرار الوضع في الزاوية.
ويؤكد هذا الموقف على الدور المتناقض الذي لعبه بيجا، فبينما كان شخصية إجرامية متهمة بارتكاب جرائم خطيرة، كان ينظر إليه البعض أيضا كقوة استقرار في منطقة مليئة بالصراعات.
مدينة الزاوية بعد وفاة بيدجا
أثار اغتيال بيدجا مخاوف بشأن مستقبل الزاوية التي تشكل على الساحل الليبي مركزا مهما لصناعة النفط، فاغتياله أدى لزيادة التوتر، وإثارة التساؤلات حول من سيملأ الفراغ في السلطة، فهناك خوف من أن تتنافس الفصائل للسيطرة على المناطق التي كانت تحت نفوذه، وهذا الأمر سيؤدي إلى تصعيد العنف.
وتشهد مدينة الزاوية اليوم تكثيفا أمنيا وتعبئة عسكرية، تحمل معها مؤشرات لصراع وشيك على السلطة، ويمكن النظر إلى مصفاة الزاوية النفطية، وهي واحدة من أكبر المصافي في ليبيا، كساحة صراع مقبلة فالسيطرة على هذه المصفاة لا تتعلق بالقوة الاقتصادية فحسب، بل أيضا بالنفوذ السياسي.
وكان لميليشيا “بيدجا” وجود قوي فيها، واغتياله يعني حربا غير معلنة على المجموعات المسلحة التي كان يقودها، فهي لم تفقد فقط قائدها، بل أصبحت أيضا وسط احتمال الحرب من أجل إزاحتها من المشهد الأمني.
وأن انعكاس الصراع للسيطرة على المصفاة ستزيد من أزمة الوقود الحالية في ليبيا التي تفاقمت بسبب الصراعات الداخلية وسوء الإدارة، فمقتل “بيدجا” سيشكل بداية لمرحلة جديدة من التوتر في غرب ليبيا، وسيؤدي موته إلى أعمال انتقامية من حلفائه وأنصاره، ما يحمل مزيدا من عدم الاستقرار.
ويجب الفراغ في السلطة الذي خلفته الأحداث جماعات إجرامية أخرى تسعى إلى توسيع نفوذها، ويزيد من احتمالات انتقال عدم الاستقرار إلى أجزاء أخرى من الغرب الليبي، ما ينذر باضطرابات على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
بقلم مازن بلال
الحكومة الليبية المكلفة تبحث الوضع الأمني في مدينة غات