22 نوفمبر 2024

شهدت السودان معارك عنيفة منذ إقرار مجلس الأمن وقف إطلاق للنار، حيث شكل التدخل الأممي بداية لتبديل المعادلات والتوازن بين الأطراف.

وتعامل الجيش السوداني بشكل استباقي مع القرار الأممي وشن هجوما سيطر فيه على مبنى الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، لكن معادلة التوازن بين القوى بقيت دون تحول عميق. فالمواجهات العنيفة استمرت للسيطرة على مواقع استراتيجية، بما في ذلك سلاح المهندسين في الخرطوم بحري الذي تحاول قوات الدعم السريع السيطرة عليه، حيث يعد واحداً من أربعة مواقع عسكرية لا تزال تحت سيطرة الجيش من بين 18 موقعا.

إخفاق القرار الأممي

وظهر القرار الأممي على خلفية تناقضات في المواقف داخل مجلس الأمن، حيث اختصر مستقبل السودان بالموضوع الإنساني. لقد تجاوز المشاركون في صياغة القرار أو التصويت عليه ميزان القوى الذي لا يسمح بتوقف القتال، والمسألة هنا بالنسبة للأطراف المتصارعة لا تقف عند حدود مناطق الاشتباك الأساسية، إنما في معادلة دقيقة ما بين الجيش الذي شكل طوال العقود الماضية العامل المرجح في سياسة السودان، وبين التحولات التي حملتها السنوات القليلة الماضية عندما تم تقسيم البلاد ما بين الشمال والجنوب.

ويتضح من دعوة سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، مجلس الأمن الدولي للتعامل بشكل سريع لضمان تدفق المساعدات الإنسانية، أن الإخفاق الدولي في وقف الحرب مرتبط أساساً بأشكال توزع القوة بين الجيش وقوات الدعم السريع، فكلا الطرفين يمثلان اتجاهات إقليمية ودولية، بينما يصبح الموضوع الإنساني مبرراً لممارسة الضغط بين الجهات الدولية المتنافسة داخل السودان، فالتوافق الدولي على عدم تفكك السودان محاط بشكوك كثيرة، وذلك رغم تأكيدات غرينفيلد على ضرورة وحدة السودان.

عملياً، يرتبط الاستقرار في السودان بشكل أكبر بالقدرة على وضع سيناريو مختلف لمعادلة السلطة. فقد أسفر الصراع في دارفور عن إنشاء خريطة جديدة تبرز فيها قوى منافسة للجيش وتؤثر على مستوى الحركة الاجتماعية. كما يُظهر انهيار أربع محاولات لفرض هدنة بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال تسعة أشهر أن استقرار السودان يعتمد على علاقاته مع جواره الإقليمي، وعلى التوازن بين منطقة القرن الإفريقي ومنطقة حوض النيل بأكملها.”معادلات السودان الجديدة

وتوضح جهود وقف الحرب نوعية خاصة للتأثرات الإقليمية في الصراع، فجولات التفاوض تمثلت في مباحثات جدة التي شهدت ثلاث لقاءات، وقمتين للهيئة الدولية المعنية بالتنمية في إفريقيا “إيغاد”، إضافة إلى مفاوضات في المنامة خلال يناير الماضي. تبدأ الاهتمامات الإقليمية من محاولة إيجاد شركاء داخل أطراف الصراع، على الأخص أن مسألة حسم المعارك لأحد الأطراف أمر صعب نتيجة تعقيدات التوزع السكاني في السودان، فاستمرار الحرب وتوسعها سيطر على المشهد في وادي النيل ووصولاً إلى البحر الأحمر، ودخول السعودية على خط التفاوض يوضح نوعية المخاطر التي تحملها المعارك نحو البحر الأحمر.

الجوار الجغرافي مشتعل بالصراعات

عمليا، فإن المعارك العسكرية لم تعد تشكل أي نقاط ارتكاز لاستقرار عميق، فطرفي النزاع الأساسيين يستندان لقواعد مختلفة على مستوى التوزع القبلي، وهو ما يجعل خسارة طرف بداية لنزاع جديد، فالانتصار العسكري للجيش لن يضمن نهاية الصراع، وبالمقابل فإن قوات الدعم السريع لا تملك ممكنات التفوق العسكري بل الانتشار الجغرافي في عدد من المناطق.

إن عدم القدرة على رسم ملامح انتشار كامل يضع احتمال اشتعال المعارك في كل ولايات السودان أمراً وارداً، فاتساع نطاق الحرب الذي شهدت السودان بعضا من فصوله لا يهدد وحدة الدولة السودانية، بل يؤسس لنموذج إفريقي في إعادة رسم الخرائط للدول، وباستثناء مصر وأثيوبية، فإن الجوار الجغرافي للسودان مشتعل بصراعات مختلفة تلعب فيها العوامل القبلية والتمردات العسكرية أدوار مختلفة، وخيار تقسيم السودان تم تكريسه عمليا منذ انفصال الجنوب السوداني عام 2011.

وفي هذا السياق المعقد، يتبادر السؤال الأساسي حول فعالية التدخل الإقليمي والدولي في إنهاء النزاع في السودان. فالمبادرات المتخذة لوقف القتال تبدو الآن أكثر كونها محاولات لتأسيس علاقات مع الأطراف المتصارعة، بدلاً من كونها وساطات لبناء إرادة سلام. يعود ذلك جزئياً إلى التداعيات الإقليمية المعقدة للحرب في السودان، والتي تتضمن رهانات إقليمية مختلفة وتأثيرات دولية تُسجل نقاط ربح وخسارة في الصراع الدائر على كافة أنحاء القارة الإفريقية.

يقدم نموذج الصراع في السودان مساحة الصراعات الجيوسياسية الحديثة، حيث يتشابك الصراع على السلطة مع الإرث التاريخي والتأثيرات الخارجية، فالمجتمع الدولي لم يكن أمامه خيارات سوى إصدار قرار غير ملزم بوقف إطلاق النار، وصياغة طريق للخروج من الصراع تبدو اليوم مهمة إفريقية بامتياز، لأن هذا الشكل من الحروب يمكن أن يُشكل المظهر الإفريقي القادم.

بقلم مازن بلال

اشتباكات في شرق الكونغو وكينيا تعلن إرسال قوات لبعثة الأمم المتحدة

اقرأ المزيد