تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر ضمن إعادة تشكيل العلاقات في المنطقة بعد الاضطرابات التي خلفها “الربيع العربي”، فما بين القاهرة وأنقرة تتوزع ملفات مختلفة وتتناقض المواقف على الأخص في الوضع الليبي.
وتقف الدولتان على طرفي نقيض من الأطراف المتصارعة، كما أن هذه الزيارة هي الأولى للرئيس التركي إلى القاهرة بعد إنهاء حكم الإخوان المسلمين في مصر.
ولقاء الرئيس التركي مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لم يكن فقط لرسم ملامح سياسية جديدة بين البلدين، فالجانب الاقتصادي ظهر بشكل واضح في الإعلان المشترك الذي وقع عليه الجانبان، على الرغم من أن الأزمة السياسية الطويلة لم تؤثر كثيرا على العلاقات التجارية، فأنقرة هي الشريك التجاري الخامس للقاهرة، وتضمن الإعلان إعادة هيكلة اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي التركي- المصري، كما أعلن الرئيسان خلال مؤتمر صحفي مشترك، عزمهما رفع التبادل التجاري بين البلدين من 3 مليارات دولار حاليا إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، كما اتفقا على زيارة مقبلة للرئيس المصري إلى تركيا في شهر نيسان القادم.
مسار التفاهم التركي – المصري الجديد يأتي بعد ما يقارب 12 عاما من التوتر والقطيعة، ويبرز في هذا السياق الملف الليبي الذي يمكن أن تنقله العلاقات بين البلدين إلى فرص ومصالح سياسية واقتصادية، فحجم التدخل الإقليمي والدولي في الملف الليبي يجعل من التقارب المصري – التركي مثار قلق لقوى أخرى متنافسة في الشمال الأفريقي، وبالتأكيد لم يغب ملف غزة عن القمة حيث شدد الطرفان على ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة بشكل فوري، ووصول المساعدات الإنسانية.
وبحسب وكالة “الأناضول” التركية، فإن السيسي وأردوغان سيترأسان الاجتماعات المقبلة لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وأن المجلس سيجتمع بالتناوب كل عامين في تركيا ومصر، وسيتم تنسيق العمل وإعداد جدول الأعمال لكل اجتماع من قبل وزيري خارجية البلدين، ومن شأن هذا المجلس أن يتعامل مع كافة الملفات الشائكة التي تشهد خلافات في المواقف بين البلدين.
هذا المستوى الجديد من العلاقات بين البلدين جاء بعد سلسلة من إشارات للتقارب، بينها مصافحة السيسي لإردوغان بقطر في نوفمبر 2022، على هامش بطولة كأس العالم، كما أعلنت مصر وتركيا إعادة تبادل السفراء، كخطوة في اتجاه تحسين العلاقات وحل الخلافات التي تعددت وتطورت خلال السنوات القليلة الماضية، وقبل زيارة الرئيس التركي كشف وزير خارجيته حقان فيدان عن قضية لم يسبق أن تطرق إليها البلدان من قبل، معلنا موافقة بلاده على توريد مسيّرات قتالية إلى مصر.
لكن الملفات العالقة بين البلدين تبقى مساحة الاختبار لطريقة تعامل الطرفين في تحقيق مصالحهما، فمصر أبدت انزعاجها سابقا من مذكرة تفاهم تم توقيعها في 3 تشرين الأول 2022 بين تركيا وحكومة طرابلس (غرب) بشأن التعاون للتنقيب عن النفط والغاز، وزادت من التوتر بين البلدين كونها جاءت بعد ثلاث سنوات فقط على إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية المثير للجدل في 2019، والذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي حينها أيضا، حيث اعتبرت مصر، إلى جانب قبرص واليونان، أن اتفاق 2019 ينتهك حقوقها الاقتصادية، حيث أثار اكتشاف حقول غاز شاسعة في السنوات الماضية مطامع دول عدة في المنطقة.
وفي أب 2020 ردت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.، وفي حال استطاعت العلاقات المصرية – التركية الجديدة إعادة ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، فسيكون هذا إنجازا أمنيا سياسيا وعسكريا واقتصاديا كبيرا جدا، والجانب الآخر من الخلافات يرتبط بحركة “الإخوان المسلمين” المقيمين في تركيا، حيث ترغب القاهرة في أن تضيق السلطات التركية الخناق على أعضاء الجماعة المنفيين، وأنصارهم المقيمين في تركيا وتسلم الهاربين الذين تتهمهم القاهرة بارتكاب أعمال عنف ضد الدولة المصرية، بالإضافة إلى ذلك، أرادت السلطات المصرية إغلاق القنوات الإعلامية التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، والتي تنتقد بشدة السيسي.
يبرز التنسيق الحالي بين تركيا ومصر حول الوضع في السودان أهمية متزايدة في العلاقات الثنائية، مما يعكس توجهاً نحو تعزيز التعاون وتحسين الروابط لمواجهة التحديات الإقليمية. هذا التقارب ينبئ بتعاون واسع النطاق يشمل الأمن والدبلوماسية، مما يسهم في دعم الاستقرار في السودان وتشجيع التحول السياسي هناك.
أمام الأزمة الراهنة في السودان، تجد مصر وتركيا مصلحة مشتركة في ضمان استقرار البلاد، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية لاستقرار المنطقة بأكملها. فمصر تشترك في حدود مباشرة مع السودان، تولي اهتماماً خاصاً بالأمن على حدودها الجنوبية وبالتعاون في المجالات المائية والاقتصادية. من ناحيتها، تأمل تركيا في تعزيز دورها في إفريقيا وتوطيد علاقاتها مع الدول الإفريقية، بما فيها السودان، من خلال الاستثمار والدعم التنموي.
من المتوقع أن يشمل التعاون بين البلدين دعم العملية السياسية في السودان والمساهمة في المبادرات الإقليمية والدولية لتسوية الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدولتين أن تعملا معاً في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوداني ودعم اللاجئين الذين يفرون من النزاعات.
إن العلاقات بين أنقرة والقاهرة ستفتح مجالا دبلوماسيا للتعاون في المجال الليبي والسوداني كأزمتين تؤثران على الأمن المصري بالدرجة الأولى، وستتيح في المقابل تركيا تنسيق مصالحها في ليبيا بعيدا عن التوتر الذي خلفته الحرب الليبية، فنموذج العلاقات المستقبلية بين البلدين هو اختبار حقيقي لقدرة العلاقات الإقليمية على خلق استقرار وتهدئة.
بقلم نضال الخضري
تمديد فترة تسجيل الناخبين في انتخابات المجالس البلدية الليبية حتى 13 يوليو