مصر تمضي بخطوات متسارعة نحو بناء مجتمع “بلا كاش”، عبر تقليص الاعتماد على النقد الورقي وتعزيز الدفع الإلكتروني كركيزة للاقتصاد الحديث.
وبينما تواصل الدولة إطلاق المبادرات الحكومية وتوسيع شراكاتها مع القطاع الخاص، تبرز تحديات رئيسية تتعلق بمدى جاهزية البنية التحتية الرقمية، وقدرة المواطن على التكيف مع هذا التحول.
وأطلق البنك المركزي المصري سلسلة مبادرات لتوسيع استخدام المحافظ الذكية والبطاقات البنكية، وألزم المؤسسات الحكومية بقبول المدفوعات غير النقدية. وفي المقابل، عززت وزارة الاتصالات البنية التحتية الرقمية من خلال تطوير شبكات الإنترنت وتوسيع خدماتها لتشمل مختلف المحافظات.
وإلى جانب الجهود الحكومية، برزت شركات الدفع الإلكتروني مثل “إنستا باي” و”فوري” و”أمان” و”مصاري” كلاعبين محوريين في تسهيل المعاملات المالية اليومية، بدءاً من سداد الفواتير وحتى خدمات التسوق الإلكتروني، مما أسهم في تغيير أنماط الاستهلاك وتعزيز الاعتماد على الحلول الرقمية.
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أحمد غنيم، في حديث صحفي، إن التحول إلى مجتمع بلا نقد يمثل “خطوة أساسية لتقليص الاقتصاد غير الرسمي، وتعزيز الشفافية المالية، ورفع تنافسية الاقتصاد المصري إقليمياً ودولياً”. وأوضح أن هذه الخطوة ستساهم في تحسين قدرة الدولة على تحصيل الضرائب بشكل عادل، وزيادة ثقة المستثمرين الأجانب في السوق المحلية.
ولكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية ضمان شمول هذه السياسات لجميع الفئات، بما في ذلك سكان المناطق الريفية وكبار السن، وهو ما يستدعي مزيجاً من التوعية المجتمعية وتبسيط الخدمات الرقمية لضمان الوصول العادل للجميع.
ويرى خبير تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، محمد عزام، أن نجاح التجربة المصرية يعتمد بدرجة كبيرة على قوة البنية التحتية الرقمية. ويضيف: “لا يمكن الحديث عن تطبيق واسع للدفع الإلكتروني من دون شبكة إنترنت سريعة وآمنة تغطي جميع المناطق، بما فيها القرى والنجوع”.
وأشار عزام إلى أن مصر تقدمت ستة مراكز في مؤشر جاهزية الشبكات لتحتل المرتبة 85 عالمياً عام 2024 مقارنة بالمرتبة 91 في 2014، كما قفزت 46 مركزاً في مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي لتحتل المرتبة 65 في 2024 مقارنة بالمركز 111 عام 2019.
كما شدد على أن الاستثمار في الأمن السيبراني أصبح أمراً ملحاً لضمان الثقة بين المواطنين، مؤكداً أن توفير أنظمة حماية متطورة وضمان سرية البيانات يمثلان حجر الأساس لزيادة معدلات الاستخدام، خصوصاً مع تنامي الهجمات الإلكترونية عالمياً.
ويرى خبراء أن مكاسب التحول نحو الاقتصاد الرقمي لا تقتصر على تقليص المعاملات غير الرسمية، بل تشمل أيضاً توسيع قاعدة الشمول المالي وخفض تكاليف تداول النقد.
وتفتح هذه السياسات المجال أمام خدمات مالية مبتكرة مثل القروض الرقمية الصغيرة والتأمين الإلكتروني، بما يوفر فرصاً لفئات لم تكن قادرة على الوصول إلى النظام المصرفي التقليدي.
وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، تجاوز عدد المحافظ الإلكترونية 30 مليون محفظة خلال السنوات الأخيرة، في مؤشر على تنامي الإقبال على الخدمات الرقمية، خصوصاً بين فئة الشباب الأكثر تفاعلاً مع التكنولوجيا.
ويتفق الخبراء على أن مصر تمتلك مقومات قوية للانتقال إلى مجتمع بلا نقد، لكن نجاح هذه الخطوة مرهون باستمرار الاستثمار في البنية التحتية، وتوسيع برامج التوعية، وضمان إشراك مختلف الشرائح الاجتماعية في عملية التحول.
وبينما تسعى الدولة لتحقيق هذه الرؤية خلال السنوات المقبلة، يبقى التحدي الأكبر في قدرة المواطن والمؤسسات على التكيف مع النقلة النوعية، بما يحوّل هذه الطموحات من خطط حكومية إلى واقع ملموس يغير الثقافة الاقتصادية للمجتمع المصري.
مصر.. وفاة طبيب تتحول إلى لغز بعد اكتشاف جثته محفوظة بالملح
