مشروع قانون جديد في الجزائر لتنظيم الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي أثار جدلاً واسعاً بين مؤيدين يرونه ضرورياً لحماية القيم والأمن الاجتماعي، ومعارضين يعدّونه تهديداً لحرية التعبير.
ويقضي مشروع القانون، الذي طُرح أمام المجلس الشعبي الوطني، بفرض قيود جديدة على المنصات الكبرى مثل “يوتيوب” و”إنستغرام” و”تيك توك”، مع منح السلطات صلاحية حجب أي منصة تُخالف الضوابط أو تتقاعس عن التعاون.
كما يُلزم المشروع الشركات المالكة لتلك المنصات بفتح مكاتب تمثيلية داخل الجزائر، والتجاوب مع طلبات السلطات خلال 24 ساعة من التبليغ عن أي محتوى مخالف، إضافة إلى تخزين بيانات المستخدمين محلياً، بذريعة “صون القيم الدينية والاجتماعية، وحماية الأطفال والمراهقين من المحتوى الضار، وتعزيز السيادة الرقمية”.
وتتضمّن بنود المشروع كذلك تقديم تقارير دورية للسلطات حول آليات مراقبة المحتوى، في خطوة تقول الحكومة إنها تهدف إلى مواجهة “المحتوى التحريضي أو غير الأخلاقي”، خاصة بعد سلسلة من القضايا التي أثارت الرأي العام، من بينها مقاطع مصوّرة لمؤثرين تضمّنت مخالفات دينية وأخلاقية.
ورغم تأكيد الحكومة أن القانون الجديد يستهدف تنظيم الفضاء الرقمي لا تقييده، إلا أن الانقسام الشعبي بدا واضحاً، فبينما يرى مؤيدوه أنه تدارك ضروري لفوضى المنصات، يعتبره معارضوه بوابة محتملة لتكميم الأصوات المنتقدة.
وقال رحيم صديقي، الخبير في الإعلام الرقمي، إن “مواقع التواصل باتت المصدر الأول للمعلومة في الجزائر، متقدمة على الإعلام التقليدي”، مضيفاً أن “تأثير المؤثرين في تشكيل الرأي العام والسلوك الاجتماعي أصبح مباشراً، ما يستدعي إطاراً قانونياً يضمن المهنية والمسؤولية”.
وفي المقابل، اعتبر عالم الاجتماع عبد الحفيظ صندوقي أن “التحكم الكامل في المحتوى الإلكتروني شبه مستحيل”، لكنه أشار إلى أن وجود قانون يُؤطر النشاط الرقمي “سيحدّ من الفوضى ويُشجع صُنّاع المحتوى على الالتزام الطوعي بضوابط أخلاقية”، مؤكداً أن الهدف يجب أن يكون “حماية النشء لا تقييد الحريات”.
ويأتي طرح المشروع بعد سلسلة حوادث صدمت الرأي العام، منها فيديو تعذيب شاب في وهران على يد عصابة أحياء، إلى جانب مشادات بين مؤثرين تضمنت عبارات فاحشة ومحتوى مسيئاً، ما دفع السلطات إلى التأكيد على الحاجة إلى “أدوات قانونية تحمي الأمن الرقمي للمجتمع وتُحمّل المنصات جزءاً من المسؤولية”.
ولكن ناشطين ومدونين حذروا من أن المشروع قد يتحول إلى وسيلة للرقابة الرقمية، مشيرين إلى غموض المعايير التي تُحدد “المحتوى الضار” أو “المخالف للقيم”.
وقال أحد النشطاء لـمصدر: “النية المعلنة قد تكون نبيلة، لكن الخطر يكمن في التطبيق؛ من يضع الخطوط الحمراء؟ وهل يمكن ضمان ألا يُستخدم القانون لإسكات النقد المشروع؟”.
وبين الدعوات لحماية القيم والتحذيرات من تقييد الحريات، يستمر الجدل في الجزائر حول كيفية تحقيق توازن بين الأمن الرقمي وحرية التعبير، في وقت تجاوز فيه عدد مستخدمي الإنترنت في البلاد 30 مليون شخص ، ما يجعل الحاجة إلى تشريعات دقيقة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
“سوناطراك” تبحث إنشاء مصفاة ومجمع بتروكيماوي في النيجر
