شهدت الساحة الليبية موقفين متزامنين، حيث دعا مجلس الأمن الدولي القادة الليبيين لضرورة الدخول في عملية سياسية، ملوحا بفرض عقوبات على الأفراد أو الكيانات الذين يهددون السلام، أو يعيقون استكمال عملية الانتقال السياسي.
ويأتي ذلك في وقت منعت فيه تونس أعضاء من البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة من عقد اجتماع على أراضيها لبحث ملفي تشكيل حكومة جديدة في ليبيا والقوانين الانتخابية، وبررت السلطات التونسية قرارها بعدم علمها بتفاصيل هذا اللقاء، وعدم حصول الجهة المنظمة على ترخيص لعقد لقاءات ليبية على الأراضي التونسية.
عمليا فإن بيان مجلس الأمن جاء مع ظهور مؤشرات للعودة إلى العنف والقتال، وذلك بعد اندلاع اشتباكات بين الميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس ومدن الغرب الليبي، فأبدى دعمه لخطة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي الرامية لعقد اجتماع خماسي بين الأطراف الرئيسية، ودعا لانخراط الجميع في هذا المسار بحسن نية ودون شروط مسبقة، وتقديم التنازلات اللازمة للسير بالبلاد نحو الانتخابات، وعلى الجانب الآخر بقي الموقف التونسي من منع عقد اجتماع ليبي على أراضيها مؤشرا على المسارات الهشة للأزمة الليبية، وذلك بعد كل التقارير عن هذا الاجتماع ومشاركة الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا.
ديناميكيات داخلية وتداخلات دولية
التهديدات الأخيرة التي أطلقها مجلس الأمن بفرض عقوبات على المسؤولين الليبيين الذين يعرقلون العملية الانتخابية أو التسوية السياسية، توضح أن المشهد الليبي يشهد ديناميكيات جديدة نتيجة عدم قدرة المجتمع الدولي على رسم تصورات واضحة للحل السياسي، فرغم أن أي حلول يتم اختصارها بمسألة الدستور الجديد والانتخابات، لكن هذا التنافس الانتخابي لن يكون فقط بين المرشحين الليبيين فقط، بل أيضا بين الأدوار الدولية التي يستند إليها بعد الأطراف، فالمأزق السياسي منذ عام 2011 لم يعد يقتصر فقط على المصالح الدولية في ليبيا إنما في الشمال الإفريقي عموما، فالأزمة الليبية أصبحت بوابة إفريقية بشكل عام.
يتم النظر إلى قانون الانتخابات الليبية كاختبار لقوة الأطراف المتنازعة، لكنه في نفس الوقت سيحدد شروط “وحدة القوى” الليبية التي ستظهر عبر حكومة واحدة في الشرق والغرب، وهذه النقطة هي المأزق الأساسي لأن شروط هذه الوحدة خاضعة لتوازنات يصعب التحكم بها عبر الاستناد فقط إلى الديناميكيات الليبية الداخلية فقط، فهناك صورة كاملة للشمال الإفريقي ستحملها أي عملية سياسية، إضافة لتأثيرات عميقة داخل القارة التي تشهد أصلا نزاعات حول التحالفات الدولية خصوصا في الغرب الإفريقي.
التصور الأمريكي
منذ مقتل السفير الأمريكي في ليبيا تم رسم الدور الذي تلعبه واشنطن بشكل مختلف، فالمصالح الجيوسياسية الأمريكية في شمال إفريقيا لم تتغير، لكن دائرة الصراع اتسعت وتبلورت تحالفات نتيجة تداعيات الحدث الليبي، فالولايات المتحدة منخرطة في الجهود الدبلوماسية الخاصة بالعملية الانتخابية، ولكن عملية الانتقال السياسي يصعب تصورها في ظل وجود فصائل مسلحة موزعة ما بين المدن الرئيسية ومناطق الجنوب عبر القبائل، فالشكل السياسي لليبيا لا يبدو واضحا حتى ولو اتفقت جميع الأطراف على قانون انتخابات، فالشرعية التي يمكن أن تظهر ستكون حالة من التوازن القلق للسلطة، مع إمكانية انهيارها عند أي تبدل للظروف.
الولايات المتحدة التي مددت حالة الطوارئ بشأن ليبيا تعرف أن استراتيجية علاقتها القادمة مع ليبيا هي في إدارة التناقضات بين الأطراف، وليست في عملية ديمقراطية يمكن أن يستند إليها السلم الأهلي، فانتقال ليبيا إلى دولة ديمقراطية لا يعني الاستقرار بل القدرة على محاصرة أي تعارض مع نفوذها في الأراضي الليبية، أو حتى في تضييق مساحة حركتها السياسية على طول الشمال الإفريقي، فالحل الديمقراطي وفق هذا الشكل هو توزيع النفوذ على الأطراف الليبية مع إبقاء التناقضات الموجودة منذ بداية الأزمة.
النهج الروسي
هناك نهج روسي وليس مجرد دور في التعامل مع الأزمة الليبية، حيث يوضح سعيها الاستراتيجي إلى خلق شراكات مع الأطراف الليبية إلى عملية طويلة، مستمدة من إرث علاقاتها السابقة في المنطقة، وفي نفس الوقت إلى مواجهة الاحتكار السياسي سواء كان أوروبيا أو أمريكيا للأزمة الليبية، فموسكو تدعو إلى شراكة عميقة على المستويين الاقتصادي والسياسي، وتسعى لبناء علاقات مع مختلف الفصائل الليبية بشكل يعكس موقفا دقيقا ضمن العملية السياسية المرتقبة.
الجانب الأساسي الذي يظهر بوضوح أن الاحتكاك بين الولايات المتحدة وروسيا في ليبيا أصبح رمزا للتنافس العالمي بينهما، فالقوتان عبر تقوية نفوذهما في بلد ذو موقع استراتيجي ويتمتع بموارد نفطية كبيرة، ينقل التصورات الخاصة بهما حول الأزمات العالمية، ويعكس أيضا طبيعة التحول في العلاقات داخل النظام الدولي، ولكن هذا التنافس يمكن أن يوفر أيضا أفاقا مختلفة لا تستند فقط إلى رؤية الغرب في الصراعات الإقليمية، فهناك أيضا مساحات سياسية واسعة مختلفة يمكن الاعتماد عليها من خلال النهج الروسي. إن احتمال فرض عقوبات من قبل مجلس الأمن هو بمثابة أداة حاسمة لإجبار الفصائل الليبية على التوصل إلى حل وسط والتعاون في المسار السياسي، مما يؤكد التزام المجتمع الدولي بتيسير التوصل إلى حل سلمي للصراع. وتشير هذه الخطوة أيضًا إلى زخم جماعي لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، يُنظر إليها على أنها حجر الزاوية لاستقرار ليبيا على المدى الطويل وجهود إعادة البناء.
بقلم مازن بلال
صفقة ضخمة لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا بوساطة دولة عربية