أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فتح ملف نيجيريا من جديد، بعد تهديده بفرض عقوبات وربما اتخاذ خطوات أشد، بحجة ما وصفه بـ”اضطهاد المسيحيين”.
ورغم وجود توترات طائفية محدودة، إلا أن هذا الملف لا يبدو وحده كافيا لتفسير لهجة التهديد، ما يستدعي قراءة أوسع تتجاوز الزاوية الإنسانية أو الدينية.
وتعد نيجيريا أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، بأكثر من 230 مليون نسمة ينتمون إلى أكثر من 250 مجموعة عرقية، ويتوزعون دينيا بين المسلمين في الشمال والمسيحيين في الجنوب، إضافة إلى مجموعات تقليدية وأقليات أخرى.
وهذا التنوع شكل عبر العقود تحديا كبيرا لوحدة البلاد واستقرارها، خصوصا في ظل انتشار الفساد وتراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
اقتصاديا، تمتلك نيجيريا ثروات هائلة على رأسها النفط والغاز، ما يجعلها لاعبًا أساسيًا في سوق الطاقة الأفريقية والعالمية.
غير أن الفساد المؤسسي وضعف الإدارة حدا من قدرة الدولة على استثمار هذه الثروات بفعالية، وترك اقتصادها عرضة للتقلبات.
وفي خلفية المشهد، تبرز نيجيريا أيضا كقوة أمنية في غرب إفريقيا، خاصة في مواجهة جماعة بوكو حرام والتحديات المتزايدة في منطقة الساحل والصحراء.
لماذا تهتم واشنطن بنيجيريا الآن؟
تهديدات ترامب لا يمكن فصلها عن ثلاثة عوامل رئيسية:
- الضغط الداخلي
الإدارات الأمريكية تستجيب عادة لضغوط جماعات الضغط الدينية، خاصة تلك التي ترى في نيجيريا ساحة لـ”اضطهاد المسيحيين”. وهذا الخطاب يخدم اعتبارات سياسية داخلية.
- المنافسة مع الصين وروسيا
الصين أصبحت الشريك الاقتصادي الأول لنيجيريا، وروسيا توسّع تعاونها العسكري معها. وفي ظل سباق النفوذ، تريد واشنطن تأمين وجودها في أكبر دولة بغرب أفريقيا.
- النفط والموارد الطبيعية
نيجيريا أحد أهم منتجي النفط عالميا، وفي ظل صراعات الطاقة وعودة التنافس على الموارد، تصبح نيجيريا هدفا طبيعيا للضغط الأمريكي.
كيف تنظر نيجيريا إلى هذه التهديدات؟
في أبوجا، لا ينظر إلى تهديدات ترامب بوصفها مقدمة لتدخل عسكري مباشر، بل كأداة ضغط سياسي واقتصادي. لذلك تتحرك الحكومة في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
تعزيز الدبلوماسية مع واشنطن لشرح حقيقة التوترات الطائفية وتفادي تضخيم الملف.
رفع مستوى التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وبوكو حرام، وهي ورقة تدرك نيجيريا أن واشنطن لا تتجاهلها.
استثمار موقعها في سوق الطاقة لتعزيز المفاوضات التجارية وتقليل أثر أي عقوبات محتملة.
وتتصاعد هذه التحركات في وقت يتزايد فيه الاضطراب الأمني خصوصًا بعد انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة المسيرات في النيجر، وهو ما أعاد خلط الأوراق في منطقة الساحل.
إلى أين تتجه الأمور؟
ومن غير المتوقع أن تتحول تهديدات ترامب إلى تدخل عسكري، لكنها قد تتطور إلى ضغوط سياسية أو اقتصادية. وفي المقابل، يتزايد حضور الصين وروسيا، ما يجعل نيجيريا ساحة مفتوحة لصراع نفوذ دولي.
والسيناريو الأكثر ترجيحا هو استمرار واشنطن في استخدام ملف “المسيحيين” كورقة ضغط، مقابل محاولة نيجيريا الحفاظ على توازنها بين حماية سيادتها والحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ختاما، تقف نيجيريا اليوم عند مفترق حساس تتقاطع فيه ضغوط السياسة الداخلية مع حسابات القوى الدولية. وبينما يلوح ترامب بعصا العقوبات والتهديدات العسكرية، تبدو الصورة أكثر تعقيدا من مجرد “حماية للمسيحيين”.
فالواضح أن واشنطن تبحث عن موطئ قدم أقوى في غرب إفريقيا بعد انحسار نفوذها، في مقابل تمدد لاعبين آخرين كروسيا والصين.
وفي الداخل، تجد الحكومة النيجيرية نفسها مضطرة للتعامل بحذر:
التهديدات الأميركية من جهة، والتوترات الطائفية والجماعات المسلحة من جهة أخرى، مع انكشاف أمني أعمق بعد انسحاب القوات الأميركية من قواعد مهمة في الشمال والصحراء.
ومع أن احتمالات التدخل العسكري الأميركي تبقى ضعيفة، فإن الضغوط السياسية والاقتصادية تبدو واقعية ومرجحة.
وفي هذا السياق تبدو نيجيريا مطالَبة بإعادة ضبط بوصلة أمنها الداخلي، وإطلاق إصلاحات جادة تعيد احتواء الصراعات، وتمنع توظيفها خارجيا.
المشهد النيجيري سيظل مفتوحا على احتمالات عديدة، لكن المؤكد أن أي انهيار أمني أو اتساع للاضطرابات لن يقتصر تأثيره على الداخل، بل سيمتد إلى كامل الساحل الإفريقي، ويعيد تشكيل موازين القوى في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية واستراتيجية.
بقلم: ادريس احميد – صحفي وباحث في الشأن السياسي والدولي .
لافروف: الولايات المتحدة مسؤولة عن امتداد النزاع في الشرق الأوسط
