05 ديسمبر 2025

السلطات المالية كرّمت 27 سائق شاحنة صهريج قُتلوا في هجمات إرهابية استهدفت خلال الأسابيع الماضية قوافل المحروقات المتجهة نحو العاصمة باماكو، بعد سلسلة اعتداءات نفذتها جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة.

ويأتي هذا التكريم في وقت بدأت فيه البلاد الخروج من أسوأ مراحل الأزمة التي عطلت الحياة اليومية لأكثر من شهر، قبل أن تنحسر تدريجياً مع تحسن تدفق الإمدادات ونجاح الجيش في عمليات عسكرية نوعية على المحاور الجنوبية.

وبموجب مراسيم رئاسية وقّعها رئيس المرحلة الانتقالية، الجنرال أسيمي غويتا، مُنح وسام “النجمة الفضية للاستحقاق الوطني” بميزة “الأسد الصامد” لـ27 سائقاً ومساعد سائق قُتلوا خلال تأدية مهامهم، بينهم ثلاثة إيفواريين وبوركينابي واحد، فيما مُنحت الميدالية نفسها لـ 31 سائقاً جُرحوا أثناء مشاركتهم في تأمين الإمدادات خلال الهجمات.

كما شمل التكريم ترقية 16 من الفاعلين في قطاع النفط والنقابات إلى رتبة “فارس في وسام الاستحقاق الوطني”، تقديراً لدورهم في دعم الدولة خلال الأزمة التي كانت قاب قوسين من إدخال العاصمة في حالة شلل كامل.

وتعود جذور الأزمة إلى سبتمبر الماضي حين كثّف تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين هجماته على الشاحنات القادمة من ساحل العاج والسنغال، في محاولة لخنق العاصمة اقتصادياً عبر استهداف شريانها الجنوبي.

وأسفرت الاعتداءات عن إحراق شاحنات وخطف وقتل سائقين وتعطيل عشرات القوافل، ما أدى إلى شح خانق في الوقود داخل باماكو وظهور طوابير استمرت لساعات طويلة، بالتزامن مع ارتفاع كبير في أسعار المحروقات داخل السوق السوداء التي تجاوز فيها سعر 20 لتراً حاجز 50 ألف فرنك.

ورغم قسوة الأزمة، أظهر الماليون قدرة لافتة على التكيف والصمود، إذ لجأ السكان إلى تقاسم السيارات وتنظيم تنقلاتهم بشكل مشترك، فيما واصل التجار نشاطهم رغم انعدام الوقود، ما سمح بالحفاظ على الحد الأدنى من استمرارية الخدمات العامة ريثما تستعيد الدولة السيطرة.

ومنذ الأسبوع الماضي، شهدت باماكو تحسناً واسعاً في الإمدادات مع اختفاء شبه كامل للطوابير أمام محطات الوقود وعودة حركة النقل إلى وتيرتها الطبيعية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 80% من محطات العاصمة عادت للعمل، بينما سجّلت مدن موبتي وسيغو وكوتيالا وبافولابي تحسناً مماثلاً.

وأعلنت وزارة التجارة أن واردات البلاد بلغت 117 مليون لتر من المحروقات في نوفمبر، مقارنة بـ53 مليون لتر فقط في سبتمبر، ما يعكس نجاحاً واضحاً في استعادة تدفق الإمدادات، كما ارتفع عدد الصهاريج العابرة للمحور الجنوبي إلى نحو 200 شاحنة يومياً، وهو أعلى مستوى منذ بداية الأزمة.

وجاء التحسن السريع في الإمدادات نتيجة مباشرة للعمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة المالية ضمن العملية الخاصة “فوغا كيني”، والتي استهدفت معاقل الجماعات الإرهابية على امتداد محور باماكو – سيكاسو – الحدود الإيفوارية.

ووفق مصادر عسكرية، فقد تمكنت القوات الجوية والبرية من تدمير مواقع لوجستية للتنظيم، شملت مخازن أسلحة ووقود، مراكز اتصال، ونقاط انطلاق كانت تُستخدم لشن الهجمات على القوافل، كما شملت العمليات ضربات دقيقة في نيمبوغو وفينكولو ومانديلا وسيراكورو، وأسفرت عن تحييد عشرات المسلحين وتفكيك بؤر رئيسية لعمليات قطع الطرق.

وانعكس استعادة الجيش زمام المبادرة سريعاً على الوضعين الأمني والاقتصادي، إذ تراجع عدد الهجمات بشكل ملحوظ، وتمكنت القوافل التجارية من عبور الحدود دون خسائر تُذكر، وأسهم هذا التحسن في استقرار أسعار المحروقات، وتراجع السوق السوداء، وعودة النشاط الاقتصادي تدريجياً في العاصمة ومدن الجنوب.

وتبرز التطورات الأخيرة أن مالي بدأت تتجاوز واحدة من أعقد أزماتها، من خلال الجمع بين عمليات عسكرية فعالة وصمود شعبي لافت، ويأتي تكريم السائقين الذين فقدوا حياتهم تعبيراً عن اعتراف الدولة بالدور الحيوي الذي أدّوه خلال الأزمة، فيما يعكس تحسن الإمدادات نجاحاً أمنياً واقتصادياً متزامناً.

ورغم استمرار التحديات الأمنية، تشير المؤشرات الحالية إلى أن مالي تجاوزت أصعب مراحل الأزمة، وأن مزيج العمل العسكري المتواصل والصلابة المجتمعية مهّد لاستعادة مستوى أكبر من الاستقرار على المدى القريب.

مالي تشهد مجزرة مروعة في هجومين شنهما تنظيم القاعدة

اقرأ المزيد