انتهى مؤتمر لندن حول ليبيا كغيره من اللقاءات دون تحقيق أي نتائج، وهي أمر بات مألوفا في التحركات الدولية لمعالجة الأزمة الليبية المستمرة.
ما قدمه مؤتمر لندن حول حكومة مصغرة مكلفة بإجراء الانتخابات ليس مبادرة جديدة، فهو إجراء معروف لخطة طالما دافع عنها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، الذي يملك قائمة مرشحين لمنصب رئيس الوزراء، ولكن هذا الاقتراح مشروط باستقالة رئيس وزراء الحكومة المنتهية الولاية، عبد الحميد دبيبة، الذي رفض التخلي عن منصبه قبل الانتخابات، وبدون موافقته فإن المبادرة محكوم عليها بالفشل.
اجتماع لندن سلط الضوء على استمرار عجز الجهات الفاعلة الدولية في التوسط لحل شامل أو قابل للتطبيق للجمود السياسي في ليبيا، وانعقد بغياب الأطراف الليبية الفاعلة، وهو تجاوز صارخ يوضح الآلية الدولية للتعامل مع الأزمة الليبية التي تفتقر لقوى قادرة على تحقيق الحل السياسي.
نمط مألوف: مؤتمرات دولية، نتائج قليلة
جمع مؤتمر لندن، الذي استضافته وزارة الخارجية البريطانية، ممثلين من ثماني دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا ومصر، وغابت ليبيا التي تعتبر نقطة النقاش المحورية.
وأدى هذا الغياب إلى تقويض مصداقية المؤتمر وأثار في نفس الوقت انتقادات حادة من مختلف الجهات، فهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها رسم مستقبل ليبيا بدون الليبيين، وهذه الطريقة تخدم المصالح الدولية أكثر من كونها بحثا عن الاستقرار الليبي.
ويهدف مقترح مؤتمر لندن حول حكومة مصغرة ظاهريا إلى توحيد المشهد السياسي المنقسم في ليبيا وتمهيد الطريق للانتخابات؛ تدور حوله الكثير من الأسئلة والشكوك، فهناك العديد من المبادرات المماثلة تعثرت بسبب الأجندات الدولية المتضاربة والانقسامات بين الفصائل الليبية.
نقطة الخلاف الرئيسية تبقى قائمة عبر رفض عبد الحميد الدبيبة التنحي قبل الانتخابات، فهو تم تنصيبه عام 2021 كجزء من ترتيب انتقالي تدعمه الأمم المتحدة، لكنه مصر على البقاء في السلطة ولن يتنازل عنها إلا لحكومة منتخبة، وأدى هذا الأمر إلى شل كافة الجهود الرامية إلى الانتقال نحو حكم أكثر استقرارا.
عملياً، فشلت حكومة الدبيبة في تحقيق أي تقدم داخل القضايا، لكنه مصرٌعلى البقاء في السلطة في وقت تواجه إدارته انتقادات متزايدة لعجزها عن معالجة التحديات التي تواجه ليبيا، فمن تدهور الخدمات العامة إلى النفوذ غير المقيد للجماعات المسلحة، وتتعمق أزمات ليبيا دون أن تعمل حكومة الدبيبة في الحد منها على الأقل.
الحكومة المصغرة: مبادرة أمام طريق مسدود
يفتقر اقتراح مؤتمر لتدن إنشاء حكومة مصغرة إلى آليات واضحة للتنفيذ، حيث تبقى المؤسسات الليبية، بما في ذلك مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، منقسمة، وتستمر الفصائل المسلحة في ممارسة نفوذ كبير على العملية السياسية، ومع رفض حكومة الدبيبة التخلي عن السلطة وغياب الإطار الدستوري يزيد من تعقيد الموقف، ويترك ليبيا في حلقة مفرغة من الترتيبات الانتقالية التي تبدو بلا نهاية.
من جانب آخر لم يستبعد مؤتمر لندن الليبيين فقط، حيث غابت قوى دولية كبير مثل روسيا والصين، فهذه التجمعات الدولية، التي تعقد بدون تمثيل واقعي، تصور ليبيا على أنها رقعة شطرنج جيوسياسية وليس دولة ذات سيادة، ويضع ليبيا أمام تفاقم الانقسامات الداخلية بسبب نفوذ الجماعات المسلحة والمصالح المتنافسة للجهات الدولية التي دعم الفصائل المتنافسة، حيث تبدو ليبيا ساحة معركة بالوكالة لأجندات متنافسة تستخدم الميليشيات المسلحة بكثافة مع غياب جيش وطني موحد،فهذه الجماعات تقوض الجهود الرامية إلى إنشاء حكومة مركزية.
وأن تأكيدات مؤتمر لندن على أهمية الانتخابات لم تحمل معها خارطة طريق لتحقيقها، خصوصا مع غياب أي إطار دستوري وإرادة سياسية حقيقية لتحقيقها، حيث فشل المجتمع الدولي في التركيز على الحلول المركزية، وبقي في إطار إدارة الأزمة متخذا إجراءات مثل تشكيل الحكومات الانتقالية، وهذا النهج أصبح عقيما وغير قادر على وضع ليبيا أمام عملية سياسية حقيقية.
الخطوة القادمة على طريق استقرار ليبيا
مع اقتراب ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من انتهاء صلاحيتها في يناير، تواجه البلاد تحديات متزايدة، فاحتمال استخدام روسيا لحق النقض ضد تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وارد.
وربما على المجتمع الدولي إعادة النظر في نهجه، فبدون الحوار الشامل واحترام السيادة الليبية، لن تنجح أي مبادرة، وفشل مؤتمر لندن، مثل المؤتمرات السابقة، في كسر الجمود، هو نموذج فقط لعدم قدرة الجهود الدولية في دفع ليبيا نحو الاستقرار، فهي تحتاج إلى أكثر من المؤتمرات الدولية والمقترحات القديمة التي يعادصياغتها، فهناك حاجة لمشاركة محلية حقيقية، والتزام بالانتخابات، ووضع حد للتدخل الخارجي.
وبقيت ليبيا عند مفترق طرق رغم كل المحاولات الدولية، وسلط مؤتمر لندن الضوء على الأنماط المألوفة للتدخل الدولي والإقصاء المحلي التي ميزت مسار البلاد بعد عام 2011، وبدون معالجة هذه القضايا الأساسية.
طريق ليبيا نحو الاستقرار سيظل محفوفا بالتحديات، ولا يمكن أيضا للمصالح الأجنبية أن تحدد مصير البلاد، الليبيون وحدهم قادرون، من خلال الحوار والتسوية، على رسم الطريق إلى السلام والوحدة، وإلا ستظل ليبيا أسيرة حلقة مفرغة من الانقسام والتبعية والخلل.
بقلم: مازن بلال