تشهد أوكرانيا زيادة في حدة أزمتها السياسية وبشكل يثير قلق الأوروبيين والولايات المتحدة التي تدعم حكم فولوديمير زيلينسكي بإمدادات عسكرية لمواجهة روسيا وعمليها العسكرية في أوكرانيا.
عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية بأوكرانيا في فبراير عام 2022، كان فرض القانون العرفي من قبل زيلينسكي يتم تبريره كاستجابة لضرورات المعارك.
هذا الإجراء القانوني منح الرئيس سلطة غير مسبوقة على مؤسسات البلاد، لكن تمديد الأحكام العرفية عدة مرات أدى فعليا إلى تأجيل الانتخابات ومنع المعارضة السياسية من تحدي حكمه، فالدستور الأوكراني ينص على أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تتم بانتظام، لكن زيلينسكي اختار تجاهل الجدول الزمني الانتخابي، وتعامل مع الحرب كفرصة للاستمرار في الحكم، وإعادة رسم المشهد السياسي الأوكراني بشكل يتناسب مع طموحاته، وهو ما أثار الانتقادات ليس من الداخل الأوكراني فقط بل من الجهات التي تدعم أوكرانيا في حربها الحالية.
خلال الأشهر الأخيرة تزايدت حدة الانتقادات، وواجهت أوكرانيا حملة على المستوى الإعلامي على الأقل بسبب تأجيل الانتخابات، والمخاوف بشأن الشفافية خلال مرحلة الحرب، ويتركز الجدل الأساسي حول تأجيل الانتخابات، وهو ما يعتبره البعض تقويضا للعمليات الديمقراطية، إضافة لحالة فساد داخل الحكومة ومؤسساتها، وبعض الأصوات الأوروبية والأمريكية هاجمت تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، معتبرين أن الواقع القائم في أوكرانيا يؤشر على حالات فساد عميقة.
يرماك: الرجل خلف الستار
في المشهد السياسي الأوكراني، ليس سراً أن أندري يرماك، المستشار المقرب لزيلينسكي، يلعب دورا محوريا في تشكيل حوكمة البلاد، ويُنظر إليه على أنه “سلطة الظل” التي تمارس تأثيرا كبيرا على قرارات الرئيس، ووصفت العديد من التقارير المحلية والأوروبية يرماك بأنه القائد الفعلي الذي يحرك الخيوط من وراء الكواليس، فهو وفق التقارير يسيطر على الوزارات الرئيسية والوظائف الحكومية ويشير إلى زيادة مركزية السلطة، فالمحللون الغربيون بالدرجة الأولى يرون أن العديد من القرارات الأخيرة التي اتخذها زيلينسكي تحمل بصمة تأثير يرماك، حيث يعمل المستشار كحارس للسياسات المحلية والدولية على حد سواء.
وشهدت الأشهر الأخيرة عدة تغييرات في المناصب الرئيسية في الحكومة الأوكرانية، لكن العديد من المراقبين يرون أن هذه التحركات لا تعدو كونها واجهة سياسية، فبدلاً من تعزيز الإصلاحات الحقيقية أو القضاء على الفساد، تبدو تغييرات زيلينسكي وكأنها مجرد استبدال مجموعة من الموالين بمجموعة أخرى تكون أكثر ولاء لييرماك، فاستقالة وزير الخارجية دميترو كوليبا أثارت العديد من التساؤلات في العواصم الأوروبية، فهو شخصية بارزة على الساحة الدولية، وتم استبدله بالوزير سيبيغا، وهو معروف بالفساد ويُنظر إليه على أنه قريب من دائرة يرماك الداخلية، وهذا التغيير أثار استياءً كبيرا من قبل شخصيات سياسية أوروبية كانت تأمل في إصلاحات أقوى وحوكمة أنظف داخل أوكرانيا.
كما أدت إقالة وزير الداخلية واستبداله بـ”ستيفانشينا”، الذي يُعتبر أيضًا من الموالين لييرماك، إلى مزيد من تشديد السيطرة من قبل مستشار الرئيس، وتعرضت هذه الإجراءات الأوكرانية لانتقادات واسعة في الإعلام الأوكراني والأوروبي، حيث يُنظر إليها على أنها تعزز من الفساد، رغم أن حكومة زيلينسكي تُقدّم هذه التغييرات كجزء من حملة أوسع لمكافحة الفساد، لكن في الحقيقة، هي مجرد خطوات لتقوية شبكة يرماك الشخصية.
ردود الفعل الإعلامية الأوروبية
ظهرت التغيرات في السياسية الداخلية في أوكرانيا تحت مجهر الإعلام الأوروبي، حيث يتزايد القلق بشأن كيفية تركز السلطة في كييف، وأعربت وسائل الإعلام الرئيسية في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا، عن مخاوفها بشأن مسار التطور السياسي في أوكرانيا، وبينما تواصل الدول الغربية دعم أوكرانيا بالسلاح، يتزايد الضغط على زيلينسكي للالتزام بالمبادئ الديمقراطية، لا سيما في ظل تدفق المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة إلى البلاد.
ونشرت صحف مثل “بوليتيكو” الأمريكية و “لوموند” الفرنسية مقالات علنية تتساءل عن تجاهل الرئيس للمواعيد الانتخابية وتزايد نفوذ شخصيات مثل يرماك، في افتتاحية شديدة اللهجة، وصفت دير شبيغل المناخ السياسي الحالي في أوكرانيا بأنه “تنكر أوليغارشي”، حيث يتم استبدال الإصلاحات الحقيقية بعمليات تغيير حكومية سطحية، وأشارت المقالة إلى أن الحرب، على الرغم من تبريرها للعديد من الإجراءات الطارئة، لا يمكن أن تصبح ذريعة لتوطيد السلطة غير المقيدة إلى أجل غير مسمى.
والبعد الآخر لما يجري هو السيطرة الأوليغارشية الطويل الأمد في أوكرانيا، فعلى الرغم من الوعود بالإصلاح، يعتقد الكثيرون أن التغييرات الأخيرة في الحكومة لا تعدو كونها استبدال نظام فاسد بآخر، وعلى الرغم من أن الأوليغارشيين الذين كانوا يهيمنون على السياسة الأوكرانية لم يعد لديهم السلطة المباشرة نفسها، إلا أن العديد منهم يعتقدون أن مصالحهم لا تزال تُشكّل القرارات المتخذة خلف الأبواب المغلقة، فيرماك، الذي كان يعتبر يوما ما شخصا خارج المؤسسة السياسية، نجح في توطيد سيطرة كبيرة، ويُزعم أنه يستغل سلطته الجديدة لتعزيز شبكته الخاصة، وهذا الشعور بالمحسوبية أثار معارضة لحكومة زيلينسكي، سواء في الساحة السياسية أو بين الأوكرانيين العاديين.
الصراعات السياسية الداخلية في أوكرانيا تهدد بإثارة المزيد من الانتقاد للرئيس زيلينسكي، الذي يواجه الآن ضغوطا متزايدة بشأن اتجاهات حكومته، وأصبح مستشاره المقرب يرماك رمزا لهذا القلق، حيث يتساءل العديد عما إذا كان تركيز السلطة في يديه يساعد أو يضر بآفاق أوكرانيا في تحقيق توافق مع السياسات الأوروبية، وهو سيشعل بشكل دائم الحملات الإعلامية ضد حكومة كييف التي تستخدم الحرب لتركيز السلطة ضمن مجموعة صغيرة.
بقلم مازن بلال
روسيا والصين تجريان مناورات بحرية ضخمة لتعزيز التعاون العسكري