05 ديسمبر 2025

كشف خالد بوزعكوك، رئيس منتدى بنغازي للتطوير الاقتصادي والتنمية، عن مبادرة من الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان لفتح ملف الاتفاقية مع تركيا تمهيداً لمصادقة مجلس النواب عليها، تأتي هذه الخطوة في ظل تقارب سياسي وعلاقات اقتصادية متنامية بين ليبيا وتركيا بقيادة أسامة حماد.

في تطور جيوسياسي بالغ الأهمية، تستعد ليبيا لاتخاذ قرار مصيري بشأن ترسيم حدودها البحرية مع تركيا، حيث يُتوقع أن يصادق مجلس النواب الليبي قريباً على اتفاقية الحدود البحرية بين البلدين.

هذه الخطوة تأتي كرد فعل مباشر على منح اليونان مؤخراً تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها بالقرب من جزيرة كريت، مما يهدد بإشعال فتيل توترات جديدة في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالثروات النفطية والغازية.

وتشير أحدث الدراسات الصادرة عن منتدى غاز شرق المتوسط إلى أن المنطقة تحتوي على احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي غير المكتشفة تقدر بنحو 300 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى ذلك، تزخر المنطقة بعدد من حقول الغاز العملاقة، من أبرزها:

– حقل “ظهر” المصري الذي يُعد الأكبر في المنطقة باحتياطيات تصل إلى حوالي 30 تريليون قدم مكعب
– الحقل الإسرائيلي “ليفياثان” باحتياطيات تقدر بنحو 22 تريليون قدم مكعب
– حقل “تمار” الإسرائيلي الذي يحتوي على حوالي 10.8 تريليون قدم مكعب من الغاز
– حقل “أفروديت” القبرصي الذي تتراوح احتياطياته بين 6 إلى 8 تريليونات قدم مكعب
– حقل “نرجس” المصري الذي اكتشفته شركة شيفرون الأمريكية عام 2023 باحتياطيات تقدر بحوالي 3.5 تريليون قدم مكعب

وتحتل ليبيا موقعاً استراتيجياً في هذه المعادلة، حيث تمتلك وفقاً لتقديرات عام 2024 أكبر احتياطيات نفط مثبتة في القارة الإفريقية بنحو 50 مليار برميل، مما يجعلها تحتل المركز التاسع عالمياً من حيث الاحتياطيات النفطية.

كما تنتج ليبيا حوالي 1.4 مليون برميل نفط يومياً، مع بعض التذبذبات بسبب الظروف الأمنية والسياسية التي تشهدها البلاد.

في قطاع الغاز، تنتج ليبيا حوالي 2 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، حيث يتم تصدير معظم هذه الكميات إلى إيطاليا عبر خط أنابيب “غرين ستريم” الذي يربط بين البلدين.

وفي هذا السياق، أكد أحمد الغابر، المستشار السابق بوزارة النفط الليبية والخبير النفطي، أن التعاون بين تركيا وليبيا بشأن ترسيم الحدود البحرية يعود إلى نوفمبر 2019 عندما وقّع البلدان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما.

وأوضح الغابر أن هذه الاتفاقية جاءت استجابة لحاجات سياسية ملحة، حيث كانت ليبيا تبحث عن دعم قوي في نزاعها مع اليونان حول حدودها البحرية في شرق المتوسط.

وأضاف الخبير النفطي في حديث خاص لـ”إرم بزنس” أن الاتفاقية منحت ليبيا آفاقاً جديدة للتنقيب عن النفط في المناطق الشرقية، بينما سعت تركيا من خلالها إلى توسيع نفوذها البحري وفرض وجودها في شرق المتوسط، وهو ما يفسر استمرار التمسك بهذه الاتفاقية من قبل الطرفين.

كشف الغابر عن أن اتفاقية التعاون النفطي الجديدة التي وقعها الجانبان الشهر الماضي تعكس استمرارية هذه الشراكة الاستراتيجية، حيث بدأت تركيا فعلياً في تحريك معداتها لتنفيذ أعمال استكشافية في المناطق الحدودية البحرية الليبية، مستندة في ذلك إلى الغطاء القانوني الذي توفره اتفاقية 2019.

وأكد الخبير النفطي أن قضية تقاسم الحدود البحرية بين ليبيا واليونان ومصر وتركيا تظل قضية شائكة ومعقدة، لكنها في الوقت نفسه تعكس الأهمية الاستراتيجية لقطاع الطاقة في إعادة رسم خريطة النفوذ في منطقة البحر المتوسط.

من جانبه، أشار خالد بوزعكوك، رئيس منتدى بنغازي للتطوير الاقتصادي والتنمية، إلى أن المشهد الجيوسياسي في شرق المتوسط يتأثر بشكل مباشر بما وصفه بـ”التحالف الثلاثي” الذي يضم قبرص واليونان ومصر.

وأوضح بوزعكوك أن هذا التحالف يستمد قوته من اعتبارات تاريخية، أبرزها العداء التقليدي بين تركيا واليونان.

ولفت بوزعكوك إلى أن الانقسام السياسي في ليبيا بين حكومتين أضعف الموقف التفاوضي الليبي بشأن حقوقها البحرية ومواردها من الغاز في شرق المتوسط.

ومع ذلك، أشار إلى أن الموقف الليبي شهد حالة من التوحد النادر عندما أعلنت اليونان عن طرح عقود استكشاف بحرية قرب جزيرة كريت، حيث اجتمعت الحكومتان الليبيتان في الشرق والغرب على رفض هذه الخطوة والتنديد بها، خاصة في ظل عدم وجود اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين ليبيا واليونان حتى الآن.

أكد بوزعكوك أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا التي وقعت في عام 2019 تمثل مكسباً استراتيجياً للجانب الليبي، حيث تمنح ليبيا عمقاً جغرافياً ومساحة بحرية إضافية، كما تعزز من حقوقها القانونية في مياه المتوسط، ووصف هذه الاتفاقية بأنها فرصة استراتيجية ينبغي استثمارها بجدية.

وكشف بوزعكوك عن وجود مبادرة من قبل الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان لفتح ملف الاتفاقية مع تركيا، تمهيداً لمصادقة مجلس النواب الليبي عليها رسمياً.

وأشار إلى أن هذه الخطوة تأتي في ظل مؤشرات على تقارب سياسي وعلاقات اقتصادية متنامية بين ليبيا وتركيا، يقودها من الجانب الليبي رئيس الحكومة الموقتة في الشرق أسامة حماد.

وأوضح بوزعكوك في حديثه لـ”إرم بزنس” أن هذا التقارب بين البلدين تجسد على أرض الواقع من خلال توقيع عشرات الشركات التركية لعقود إعمار وبناء في شرق ليبيا.

كما أشار إلى خطوة دبلوماسية مهمة تمثلت في افتتاح قنصلية تركية في مدينة بنغازي، معتبراً أن هذه التطورات تعكس تحسناً إيجابياً في العلاقات الثنائية قد يمهد الطريق أمام تعاون أوسع في ملفات استراتيجية، يأتي في مقدمتها ملف الغاز البحري وإعادة الإعمار.

من جهته، حذر أيمن عبدالوهاب، الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة، من أن أي خطوة أحادية الجانب في ترسيم الحدود البحرية قد تزيد من المخاطر الاستثمارية في المنطقة.

وأوضح عبدالوهاب أن الشركات الكبرى العاملة في قطاع الطاقة تبحث دائماً عن بيئة تتمتع بالاستقرار القانوني والسياسي، مشيراً إلى أن استمرار الصراع حول ترسيم الحدود قد يؤدي إلى تأجيل أو حتى إلغاء مشاريع استراتيجية تهدف إلى تأمين إمدادات الغاز لأوروبا.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن هذا التحرك قد يزيد من حدة الانقسامات داخل ليبيا نفسها، خاصة إذا قوبل برفض من بعض الأطراف الليبية التي قد ترى فيه تفريطاً في السيادة أو إقحاماً للبلاد في صراعات إقليمية لا طائل منها.

أكد عبدالوهاب أن الحل المستدام لهذه الأزمة يكمن في وضع إطار قانوني دولي واضح ومقبول من جميع الأطراف المعنية.

وحذر من أنه بدون مثل هذا الإطار، ستظل المنطقة ساحة للنزاعات التي تعيق استغلال الثروات الهائلة التي يمكن أن تعود بالنفع على جميع شعوب المنطقة. وأشار إلى أن أي تأخير في استغلال هذه الموارد سيعني خسائر اقتصادية كبيرة لجميع الدول المعنية.

يظل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا نقطة خلاف حادة بين الخبراء والمحللين.

فبينما يرى عدد قليل من الخبراء القانونيين والسياسيين أن هذا الاتفاق يتوافق مع القانون الدولي ويخدم مصالح الدولتين، فإن الغالبية العظمى من خبراء القانون الدولي والجيوسياسة يعتبرونه انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي للبحار، ومحاولة لتغيير الحقائق الجغرافية والسياسية في شرق المتوسط.

في هذا الصدد، شدد الخبير الاقتصادي أيمن عبدالوهاب على أن هذه القضية ستظل مصدراً للتوتر الإقليمي ما لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي وقانوني شامل يأخذ في الاعتبار حقوق جميع الدول المعنية.

وأكد أن أي حل دائم يجب أن يراعي المصالح المشروعة لجميع الأطراف، مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وضمان الاستفادة العادلة من ثروات المنطقة لشعوبها.

مصر تتلقى 131 مليون دولار لدعم تنمية القطاع الخاص والتنوع الاقتصادي

اقرأ المزيد