06 يناير 2025

رسم المشهد السياسي الليبي عام 2024 صورة قاتمة لوعود غير منجزة وانقسامات عميقة، فآمال التقدم نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سقطت في حلقة من الركود بسبب صراع الفصائل المتنافسة وتدخل القوى الأجنبية.

بقيت ليبيا في حالة انقسام بين إدارتين: الأولى حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية في طرابلس، بقيادة عبد الحميد دبيبة، وحكومة الاستقرار الوطني ومقرها طبرق، والمعينة من قبل مجلس النواب،بقيادة أسامة حماد، وفشلت كل المحاولات بين الطرفين للاتفاق على القضايا الحاسمة؛ وعلى الأخص الإطار الدستوري للانتخابات.

وآخر انتخابات وطنية في ليبيا جرت عام 2014، وبقيت ليبيا بعدها أسيرة التنافس الداخلي والدولي حول الشرعية، حيث لا يزال الدستور المؤقت لعام 2011 ساري المفعول، في حين لم يتم طرح مسودة دستور عام 2017 للاستفتاء العام، وفشلت كافة المحاولات خلال عام 2024 في إيجاد إجماع بشأن موعد أو آلية لإجراء الانتخابات.

التدخل الأجنبي والأزمات المصطنعة

لعبت القوى الغربية التي تعهدت ظاهريا باستقرار ليبيا، دورا معقدا ومتناقضا في كثير من الأحيان، فالمصالح الأجنبية أدت إلى تكريس الواقع السياسي بكل ما يحمله من جمود، وكانت معظم القوى الخارجية تقوم بدعم الفصائل المتنافسة واستغلال الأزمات، فالقوى الدولية أعطت الأولوية للمزايا الجيوسياسية على حساب التطلعات الديمقراطية لليبيا.

أظهر الصراع السياسي الدولي على ليبيا صورة قاتمة تجلت في إعلان الأمم المتحدة في سبتمبر عن مبادرة جديدة لكسر الجمود السياسي، حيث اقترحت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري إنشاء لجنة بقيادة خبراء لحل النزاعات حول قوانين الانتخابات والإشراف على عملية الانتقال، ورغم دعم القوى الدولية للخطة، فإنها واجهت مقاومة من أصحاب المصلحة الليبيين، وبشكل يوضح طريقة تعامل التدخلات الخارجية مع المواضيع الليبية الحساسة فتؤدي إلى تعقيد التحديات السياسية في بدلا من حلها.

عمليا فخلال الربع الأول من 2024 ركزت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) على لقاءات موسعة مع القيادات الليبية وممثلين عن المجتمع المدني بهدف التوصل إلى إطار سياسي مشترك يمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن هذا الأمر بقي في إطار استكشاف البيئة السياسية، وخلال الربع الثاني عملت الأمم المتحدة على تقديم مقترحات حول وضع أساس قانوني متفق عليه لإجراء الانتخابات، بينما انتقلت خلال الربع الثالث على توفير الدعم الفني للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وتضمنت الأنشطة تدريب الكوادر الانتخابية، وتحسين البنية التحتية للعملية الانتخابية، وتوفير الموارد التقنية اللازمة لضمان نزاهة الانتخابات.

في 31 أكتوبر 2024 أعلنت الأمم المتحدة تمديد تفويض بعثتها في ليبيا حتى 31 يناير 2025، وتم اختتام العام ( 16 ديسمبر 2024) بإطلاق مبادرة سياسية شاملة من قبل مبعوثة الأمم المتحدة، ستيفاني خوري، لكن هذه المبادرة تعبر عن إدارة متعثرة للأزمة لأنها عادت إلى مسألة تشكيل لجنة استشارية مختصة بحل القضايا الانتخابية، وتوحيد المؤسسات الوطنية، ووضع خارطة طريق واضحة لتنظيم الانتخابات الوطنية ولكن اقتراح اللجنة كان دون آليات أو حتى وضوح في دور الأمم المتحدة لإنجاح المبادرة.

الجهود الداخلية

شهدت ليبيا خلال عام 2024 سلسلة من المبادرات الداخلية الهادفة إلى تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي، ففي يناير، استمرت الجهود لتعزيز الحوار بين الأطراف الليبية، مع التركيز على تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر 2021، وخلال شهر فبراير، تواصلت الاجتماعات بين مجلسي النواب والدولة بهدف التوصل إلى توافق حول القوانين الانتخابية وتوحيد المؤسسات السيادية، بينما شهد شهر مارس تحركا إقليميا ودوليا لدعم العملية السياسية، إلا أن الخلافات الداخلية حالت دون تحقيق تقدم ملموس.

في شهر أبريل ظهرت أول انتكاسة سياسية واضحة مع استقال المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وأدت لتعثر المسار الأممي وتفاقم الانقسامات بين الأطراف الليبية، لكن التحركات الداخلية استمرت مع التركيز على دمج أنصار النظام السابق في العملية السياسية، وتكثفت اللقاءات في يونيو بين مختلف الفاعلين السياسيين، بما في ذلك ولي العهد السابق محمد الحسن الرضا السنوسي، لبحث سبل الخروج من الأزمة، وهذا الأمر دفع إلى إطلاق مبادرات محلية في يوليو تهدف إلى تعزيز الحوار المجتمعي والمصالحة بين القبائل والمناطق المختلفة.

وخلال شهر أغسطس ظهر التركيز على توحيد المؤسسات المالية والاقتصادية، وذلك يعد أزمة المصرف المركزي، بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وفي ديسمبر أعلن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر عن مبادرة جديدة للمصالحة الوطنية، تهدف إلى جمع الأطراف المتنازعة وتقريب وجهات النظر.

الفرص الضائعة للمصالحة الوطنية

تعثرت الجهود الرامية إلى المصالحة الوطنية خلال عام 2024، وسط انعدام الثقة العميق بين المجموعات السياسية المتنافسة، وأعلنت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية وحكومة الوفاق الوطني عن مبادرات منفصلة، وذلك وسط اتهامات متبادلة بينهما عن إفشال الاقتراحات التي يقدمها كل طرف، وأعاق التنافس السياسي الحاد أي حوار هادف على الأخص في ظل دعم المصالح الغربية لطرف سياسي على حساب الآخر، فتفاقم الفراغ السياسي بسبب تهميش الجهات الفاعلة المحلية ومنظمات المجتمع المدني، وفي حين قدمت الانتخابات البلدية في بعض المناطق بصيصا من الأمل، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية لتعزيز التماسك الوطني الأوسع.

مع دخول ليبيا عام 2025، يبدو أن الطريق إلى الاستقرار والديمقراطية محفوف بالعقبات، ويشكل الافتقار إلى الإجماع السياسي، إلى جانب النفوذ الأجنبي الراسخ والصعوبات الاقتصادية، تحديات كبيرة، فرحلة ليبيا نحو السلام والاستقرار لم تنته بعد، ومع ذلك، ومع نهاية العام، فإن مرونة الشعب الليبي تقدم منارة أمل في أنه من خلال الجهود المتضافرة، سيكون المستقبل الأكثر إشراقاً في متناول اليد.

بقلم مازن بلال

 

 

النيجر: مسلحو “جبهة التحرير” يسلمون أسلحتهم في إطار تسوية سياسية

اقرأ المزيد