22 ديسمبر 2025

وجه تقرير تحليلي نشرته مجلة ميدل إيست مونيتور البريطانية انتقادات حادة لاحتفال حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة باليوم العالمي لمكافحة الفساد، معتبرا أن الفعالية التي أقيمت في طرابلس عكست مقاربة شكلية لا تنسجم مع واقع الفساد المتجذر في ليبيا.

وأشار التقرير إلى أن الحفل، الذي نظم في التاسع من ديسمبر بحضور رئيس الحكومة وعدد من كبار المسؤولين، طغت عليه الأجواء الاحتفالية والخطاب الدعائي، في مقابل غياب واضح لأي مراجعة نقدية جادة لمسار مكافحة الفساد أو اعتراف بحجم التحديات القائمة.

واعتبر أن تقديم مبادرات رسمية خلال المناسبة جاء أقرب إلى استعراض سياسي منه إلى خطوات إصلاحية قابلة للقياس.

وتوقف التقرير عند تدشين منصة «رقيب» الرقمية التابعة لهيئة الرقابة الإدارية، والتي قُدمت بوصفها أداة لتعزيز الشفافية وتلقي بلاغات الفساد، إلا أن المجلة رأت في هذه الخطوة تعبيرا عن نوايا إصلاحية لا تنعكس على الواقع، في ظل استمرار ممارسات الفساد وتراجع ثقة المواطنين في الهيئات الرقابية.

وأوضح التقرير أن ليبيا لا تعاني من نقص في المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، إذ تضم منظومة واسعة تشمل ديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ومكتب النائب العام، والهيئة العليا للرقابة المالية، إضافة إلى وحدات رقابية داخل الوزارات.

غير أن تعدد هذه الكيانات، بحسب التقرير، لم يحقق نتائج ملموسة، بل أدى إلى تداخل الصلاحيات، واستنزاف الموارد العامة، وطرح تساؤلات حول الاستقلالية والفعالية.

وفي السياق ذاته، أشار التقرير إلى أن القطاع العام يعاني تضخماً واختلالاً بنيوياً، لافتاً إلى أن بند المرتبات استحوذ في عام 2024 على نحو 55 في المائة من إجمالي ميزانية الدولة، وفق بيانات المصرف المركزي، ما يعكس عبئاً مالياً كبيراً دون مردود مؤسسي حقيقي.

وعلى صعيد المؤشرات الدولية، أبرز التقرير استمرار تراجع ليبيا في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، حيث جاءت في المرتبة 173 من أصل 180 دولة خلال عام 2024، محققة 13 نقطة فقط من أصل 100، في تراجع إضافي مقارنة بالعام السابق، وهو ما اعتبره دليلاً على محدودية أثر الإصلاحات المعلنة.

كما نقل التقرير تقييمات منظمات غير حكومية مستقلة ترى أن الجهود الحكومية لم تتجاوز تغييرات طفيفة ذات طابع رمزي، وأن تعدد الهيئات والمنصات الرقمية لم يُحدث تحولاً فعلياً في منظومة الفساد الراسخة، التي ما زالت تعيق الحوكمة والاستثمار وتُضعف ثقة الشارع.

ولفت التقرير إلى أن مكتب النائب العام يتلقى بلاغات شبه أسبوعية تتعلق بقضايا اختلاس وسوء استخدام للمال العام، غالباً بمبالغ كبيرة، إلا أن بطء الإجراءات وندرة الإدانات النهائية يعززان الشكوك الشعبية، في ظل اعتقاد واسع بأن النفوذ السياسي يوفر حماية لكبار المتورطين.

وتناول التقرير أوجه القصور في منصة رقيب، مشيرا إلى أن اشتراط الكشف الكامل عن هوية المبلّغ، بما في ذلك الرقم الوطني، قد يثني المواطنين عن الإبلاغ في بيئة تفتقر إلى حماية فعالة للشهود، ما يحول المنصة إلى أداة محدودة التأثير.

كما حذر التقرير من امتداد الفساد إلى أنظمة شديدة الحساسية، مثل الرقم الوطني وجوازات السفر، معتبرا أن التزوير في هذه القطاعات يشكل تهديداً مباشراً للأمن المجتمعي والاستقرار الاقتصادي، ويؤثر على الحقوق الأساسية للمواطنين.

وخلص التقرير إلى أن التشرذم المؤسسي، والتدخل السياسي، وضعف إنفاذ القانون، إلى جانب وفرة عائدات النفط دون رقابة فعالة، عوامل تسمح باستمرار الفساد على نطاق واسع، لتبقى جهود مكافحته في إطار إجراءات شكلية لا ترقى إلى إصلاحات هيكلية قادرة على استعادة ثقة الجمهور أو إرساء حوكمة رشيدة.

بدء تشغيل خط الأنابيب الجديد من حقل شمال الحمادة النفطي في ليبيا

اقرأ المزيد