المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا تعلن طرح أول مناقصة دولية لاستكشاف النفط منذ الإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011، في خطوة تعكس رغبة طرابلس في استعادة موقعها على خارطة الطاقة العالمية.
وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مسعود سليمان، في مقابلة مع وكالة “بلومبيرغ”، إن 37 شركة دولية أبدت اهتمامها بالمشاركة في المناقصة، التي تشمل 22 رقعة استكشافية برية وبحرية، موضحاً أن “كل الشركات العالمية المعروفة تقريباً” تقدمت بطلبات، من بينها “شيفرون” الأمريكية، “توتال إنرجي” الفرنسية، “إيني” الإيطالية، “إكسون موبيل” الأمريكية، و”OMV” النمساوية.
وتعد هذه المناقصة أول دخول فعلي لكبار المنتجين العالميين إلى السوق الليبي منذ أكثر من عقد، في وقت تنظر فيه السلطات الليبية إلى الانفتاح الجديد باعتباره اختباراً لقدرة البلاد على اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية رغم استمرار الانقسامات السياسية وتهالك البنية التحتية لقطاع الطاقة نتيجة الصراعات المتكررة.
وتأمل ليبيا في أن تمهد هذه الخطوة الطريق لتحقيق هدف طموح يتمثل في رفع إنتاج النفط إلى مليوني برميل يومياً بحلول عام 2030، متجاوزة الذروة السابقة البالغة 1.75 مليون برميل والتي تحققت عام 2006 خلال فترة حكم القذافي، ويبلغ الإنتاج الحالي نحو 1.4 مليون برميل يومياً.
وكشف سليمان أن المؤسسة الوطنية للنفط تنتظر الموافقة على ميزانية تطوير تقدر بنحو 3 مليارات دولار، تهدف إلى رفع الإنتاج إلى 1.6 مليون برميل خلال عام واحد، وستخصص هذه الميزانية جزئياً لتوسعة استثمارات شركات محلية ودولية مثل “أكاكوس”، المشغلة لحقل الشرارة – أكبر الحقول الليبية – بالشراكة مع “توتال” الفرنسية، “ريبسول” الإسبانية، “OMV” النمساوية، و”Equinor” النرويجية.
كما أشار إلى أن شركة الواحة للنفط، وهي من بين المنتجين الرئيسيين في ليبيا، تمتلك القدرة على رفع إنتاجها من 300 ألف برميل إلى 800 ألف برميل يومياً، بفضل تطوير حقول جديدة مثل “شمال جالو”، الذي من المتوقع أن يضيف 100 ألف برميل يومياً بمفرده.
ومن اللافت أن عدداً من الشركات التي جمدت نشاطها منذ عام 2014 بدأت العودة تدريجياً إلى السوق الليبية، فقد استأنفت شركة ريبسول عمليات الاستكشاف في حوض مرزق في يناير الماضي، بينما عادت شركات “BP” و”OMV” وإيني لاستئناف أنشطة الحفر خلال عام 2024.
ورغم هذه الطموحات الكبيرة، لا تزال ليبيا تواجه تحديات عميقة على رأسها ضعف القدرة التكريرية واعتمادها شبه الكامل على واردات الوقود، ما تسبب في نقص حاد بالإمدادات المحلية خلال الأشهر الأخيرة، وكانت المؤسسة الوطنية للنفط قد ورثت ديوناً تقدر بمليار دولار نتيجة نظام مبادلة النفط بالوقود الذي أوقفه ديوان المحاسبة مؤخراً.
وقد خصصت الحكومة الليبية نحو 20 مليار دينار (3.7 مليارات دولار) لواردات الوقود هذا العام، فيما تُقدر الفاتورة الشهرية بما يزيد على 600 مليون دولار، ما يعكس استمرار الفجوة بين الاحتياجات الحقيقية والموارد المتاحة.
وبينما تعوّل السلطات الليبية على عودة الشركات الكبرى لتعزيز الإنتاج وتوفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار، تبقى المخاطر السياسية والأمنية، إلى جانب مشاكل البنية التحتية، عوائق رئيسية أمام تحويل قطاع النفط إلى محرك مستدام للنمو الاقتصادي.
أزمة إنتاج النفط في ليبيا تُكلف شركة نمساوية 220 مليون دولار
