تعيش ليبيا مجددا على وقع أزمة سيولة خانقة أعادت مشهد الطوابير أمام المصارف في طرابلس وبنغازي، وسط محاولات متسارعة من مصرف ليبيا المركزي لإنعاش الدورة النقدية عبر ضخ مليارات الدنانير الجديدة في السوق، لكن الخطوة تواجه شكوكا واسعة حول فعاليتها.
وأعلن المصرف المركزي في بيان صدر منتصف أكتوبر الجاري، عن التعاقد لطباعة 60 مليار دينار ليبي (نحو 11 مليار دولار)، مؤكدا تسلّم 25 مليارا وتوزيعها فعليا على المصارف، على أن تصل 14 مليارا أخرى قبل نهاية العام الجاري، والبقية خلال 2026.
وتهدف العملية، وفق البيان، إلى ضمان توفر السيولة بشكل متوازن ومستقر، في حين تم سحب ما يقارب 47 مليار دينار من التداول ضمن مساع لـتعزيز الاستقرار النقدي والمالي.
وهذه الإجراءات، بحسب محللين، لا تمثل علاجا للأزمة بقدر ما تعكس حلولا إسعافية تعالج مظاهر المشكلة دون جذورها، فاقتصاد البلاد الذي يعتمد بأكثر من 90% على عائدات النفط، يعاني من ضغوط تضخمية حادة وتدهور في قيمة الدينار أمام الدولار، حيث وصل السعر الرسمي إلى 5.43 دينار، مقابل أكثر من 7 دنانير في السوق الموازية منتصف أكتوبر.
ويرى وزير الدولة الأسبق للاقتصاد ورئيس مجلس المنافسة الحالي، سلامة الغويل، أن طباعة العملة الجديدة وسحب القديمة خطوة ضرورية لتوفير السيولة، لكنها لا تكفي وحدها لإنعاش الثقة بالنظام المالي.
ويشير الغويل إلى أن الأزمة ناتجة عن مزيج من ضعف التحول الرقمي، الانقسام المؤسسي، وغياب سياسة نقدية موحدة.
ويحذر الغويل من أن الطباعة المفرطة دون ضبط للإنفاق قد تزيد معدلات التضخم، قائلا إن النجاح في إنقاذ الاقتصاد الليبي مرهون بالتكامل بين السياسة المالية والنقدية، وبوجود بيئة سياسية أكثر استقرارا وشفافية في إدارة النقد الأجنبي.
ويرى أن تقلبات الدولار تبقى أكبر التحديات، فكل موجة نقص في السيولة تدفع المواطنين والتجار نحو الدولار كملاذ آمن، ما يوسع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي ويزيد من هشاشة الدينار.
وفي سياق متصل أكد رجل الأعمال الليبي حسني بي أن شركاته اعتمدت بالفعل سياسة “Zero Cash”، موضحا أن أكثر من 90% من معاملاتهم تجري إلكترونياً أو عبر الحوالات المصرفية، ما جعلها في منأى عن أزمة الكاش.
وأضاف: المشكلة ليست في نقص المعروض النقدي بل في توزيعه السيئ وغياب الثقة بين المصارف والجمهور، وهو ما يمكن تجاوزه بتوسيع المدفوعات الرقمية وتحديث البنية التحتية المصرفية.
أما رئيس منتدى بنغازي للتنمية الاقتصادية خالد بوزعكوك، فيعتبر أن استمرار أزمة السيولة رغم جهود المركزي يعود إلى تأخر وصول المخصصات، وانقطاع الكهرباء، وضعف تغطية الخدمات الإلكترونية خارج المدن الكبرى، داعيا إلى حملات توعية مصرفية وتطبيق رقابة صارمة لضمان انتظام الخدمة وثبات سعر الصرف.
ورغم تحسن إيرادات النفط، التي بلغت نحو 79.4 مليار دينار (14.6 مليار دولار) في الأشهر التسعة الأولى من 2025، فإن هذه العائدات لم تنعكس على الاستقرار المالي، إذ تجاوز الدين العام 270 مليار دينار ويتوقع أن يصل إلى 330 ملياراً مع نهاية العام.
الزنتان بين الشرعية المحلية واستبداد المركز: بلديات ليبيا في اختبار الانقسام
