01 أبريل 2025

آثار الدمار في ليبيا باقية منذ أن تدخل حلف شمال الأطلسي عسكريا عام 2011، حيث قاد حلف شمال الأطلسي حملة عسكرية بدعوى حماية المدنيين ضد نظام معمر القذافي، لكن المبرر الإنساني لا يعفِ من السؤال عمن سيدفع ثمن الدمار.

حملة الناتو التي عُرفت بـ”عملية الحامي الموحد” شارك فيها العديد من الدول الأعضاء في “الناتو”، بما في ذلك بلجيكا وكندا والدنمرك وفرنسا وإيطاليا والنرويج وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلى جانب دول غير أعضاء في حلف شمال الأطلسي مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، وبدأ التدخل بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973، حيث سمح بتطبيق منطقة حظر جوي واستخدام جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين، واستهدفت العمليات العسكرية للتحالف عبر الضربات الجوية، قوات القذافي والبنية الأساسية وفي حين نجحت العملية في الإطاحة بالقذافي، إلا أنها تركت ليبيا في حالة من التشرذم السياسي وعدم الاستقرار.

قام حلف شمال الأطلسي بــ26,500 طلعة جوية، وأطلقت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية أكثر من 110 صواريخ كروز من طراز توماهوك، بينما قامت قوات الجو الفرنسية والبريطانية والكندية بطلعات جوية على مدار البلاد وفرضت قوات التحالف حصاراً بحرياً، وشنت الطائرات غارات على الدبابات والمركبات العسكرية الليبية، ووُثقت خسائر بشرية ومادية ملحوظة، بناءً على التقارير، ووقعت عدة حوادث أدت إلى وفاة المدنيين وإصابات بينهم، وحسب تقرير لجنة التحقيق الدولية التي وثقت على عدم وجود نشاط عسكري في العديد من المواقع.

شهدت ليبيا في أعقاب ذلك انزلاقها إلى حرب أهلية، مع تنافس الفصائل المختلفة على السيطرة، وأدى الفراغ في السلطة إلى انتشار الجماعات المسلحة وانحدار كبير في البنية التحتية الوطنية والخدمات العامة، كما عانى اقتصاد البلاد، الذي يعتمد بشكل كبير على إنتاج النفط، من انخفاض الإنتاج بسبب الصراعات المستمرة والافتقار إلى الحكم المركزي.

دعوات لمسؤولية الناتو في إعادة الإعمار

ظهرت دعوات متزايدة في السنوات الأخيرة حول تحمل حلف شمال الأطلسي والدول المشاركة في المسؤولية عن إعادة إعمار ليبيا، فهذا التدخل رغم كل أسبابه التي أُعلنت ودوره في حسم الصراع ضد القذافي عبر إسقاط نظامه الذي استمر لعقود، لكنه في نفس الوقت ساهم في حالة الفوضى الحالية التي تعيشها ليبيا، فتصرفات التحالف أدت إلى عواقب بما في ذلك انهيار مؤسسات الدولة وصعود الجماعات المتطرفة.

وهذه الاتهامات ضد حلف الناتو تسير بشكل متزامن مع كل المحاولات السياسية التي يقودها المجتمع المدني الليبي، فعلى سبيل المثال، رفعت نقابة المحامين الليبية دعوى قضائية ضد حلف شمال الأطلسي، متهمة إياه بالتسبب في أضرار جسيمة أثناء تدخل عام 2011 وطالبت بتعويض الضحايا والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، وسلطت الجمعية الضوء على أن قصف الناتو لم يؤثر فقط على الأهداف العسكرية بل أثر أيضا على البنية التحتية المدنية الحيوية، ما سبب إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.

وأدى هذا الموقف إلى تساؤلات حول اتساق السياسة الدولية فيما يتعلق بإعادة الإعمار بعد الصراع، حيث يتم تحميل الدول المعتدية المسؤولية عن جهود إعادة البناء، فهل يجب أن تتحمل التحالفات المتدخلة، مثل الناتو في ليبيا المسؤولية عن عواقب تدخلاتها؟ إن هذا النقاش يسلط الضوء على تعقيدات التدخلات الدولية والاعتبارات الأخلاقية لإعادة الإعمار بعد الصراع.

دور الدول المشاركة: تركيا وقطر

لعبت تركيا وقطر أدوارا بارزة في التدخل الليبي عام 2011، فقدمت قطر الدعم العسكري وكانت واحدة من أوائل الدول العربية التي اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره السلطة الشرعية في ليبيا، أما تركيا، التي كانت حذرة في البداية، فدعمت في نهاية المطاف مهمة حلف شمال الأطلسي وساهمت في فرض منطقة حظر الطيران والحصار البحري.

انخراط الدولتين وضعهما كلاعبين مؤثرين في حقبة ما بعد القذافي في ليبيا، وتعاملت أنقرة مع مبادرات مختلفة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، بما في ذلك الجهود الدبلوماسية ودعم الفصائل السياسية المختلفة، ومع ذلك، تم النظر إلى دورها من خلال عدسة الجغرافيا السياسية الإقليمية، فأفعالها كانت مدفوعة بمصالح استراتيجية وليس بدوافع إنسانية بحتة.

جهود وتحديات إعادة الإعمار الحالية

تبقى إعادة إعمار ليبيا مهمة شاقة، وتقدر تكلفة إعادة بناء الدولة بحوالي 570 مليار دولار، بما في ذلك ترميم البنية التحتية، وتنشيط الاقتصاد، وإنشاء هياكل حوكمة فعالة، وإنهاء الأزمة السياسية والصراعات المستمرة بين الأطراف المتنافسة، وجهود إعادة الإعمار المتماسكة، وفاقم الوضع الدمار الأخير الذي أحدثته العاصفة دانيال في سبتمبر 2023 ، وخاصة في مدينة درنة، وسلطت الكارثة الضوء على هشاشة البنية التحتية في ليبيا والحاجة الملحة إلى استراتيجيات إعادة بناء شاملة.

وكان دور المجتمع الدولي في إعادة إعمار ليبيا غير متسق على المستويين الاقتصادي والسياسي، فعلى الرغم من التعهدات بالدعم، فإن المساهمات الملموسة كانت أقل من الاحتياجات الهائلة للبلاد، وأدى الافتقار إلى حكومة موحدة وشرعية إلى تعقيد مهام الدول والمنظمات الأجنبية في توجيه المساعدات بشكل فعال، إضافة إلى ذلك لا يزال الوضع الأمني ​​متقلبا، ما يردع المستثمرين المحتملين والوكالات الدولية عن الالتزام بمشاريع واسعة النطاق، ويشكل وجود الجماعات المسلحة في الغرب الليبي والتهديد بتجدد الصراع مخاطر كبيرة على مبادرات إعادة الإعمار.

المناقشة الأخلاقية حول التعويض والمسؤولية

إن المناقشة حول مسؤولية حلف شمال الأطلسي عن إعادة إعمار ليبيا تثير أسئلة أخلاقية أوسع نطاقا حول التدخلات الدولية، فعندما يتدخل تحالف في دولة ذات سيادة، حتى مع وجود نوايا إنسانية، فإلى أي مدى يجب أن يكون مسؤولا عن العواقب الطويلة الأجل؟ فاستخدام مبدأ “المسؤولية عن الحماية” لتبرير التدخلات الرامية إلى منع الفظائع، لا يعفِ من البحث عن نتائج التدخلات التي تكشف عن تحديات معقدة لم تكن متوقعة بالكامل.

وفي حالة ليبيا، تطور الهدف الأولي المتمثل في حماية المدنيين إلى مهمة أسفرت عن تغيير النظام، ما أدى إلى زعزعة الاستقرار، وغذت هذه النتيجة الحجج القائلة بأن القوى المتدخلة يجب أن تتحمل بعض المسؤولية عن إعادة الإعمار بعد الصراع، وخاصة عندما تساهم أفعالها في انهيار هياكل الدولة القائمة.

إن مسألة مسؤولية حلف شمال الأطلسي في إعادة إعمار ليبيا ترمز إلى التعقيدات المحيطة بالتدخلات الدولية، لأنها ساهمت بحالة عدم الاستقرار والصراع السياسي، ودمرت الدولة بالكامل.

بقلم مازن بلال

اقرأ المزيد