06 يوليو 2024

شكلت مدينة الزاوية في شمال غرب ليبيا نقطة استقطاب بعد اجتماعات تونس الأسبوع الماضي، فالمعارك فيها تحمل مؤشرات على التحديات التي تواجهها الحلول السياسية.

خلف التوتر الذي خيم على المدينة قتلى وجرحى وفق التقارير في وسائل الإعلام الليبية، حيث اندلعت الاشتباكات بعد إصابة شخصين من منطقة الحرشة بالمدينة، فيما حذر جهاز الإسعاف والطوارئ مرتادي الطريق الساحلي عند الزاوية لتوخي الحيطة والحذر بسبب المعارك، ودعا الناطق باسم الإسعاف والطوارئ أسامة علي وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية إلى التدخل لوقف الاشتباكات في الزاوية.

وتعتبر مدينة الزاوية نقطة اختبار دائمة لكافة الديناميكيات السياسية الليبية، فهي تعجّ بالمجموعات المسلحة وتشهد اشتباكات متكررة، ففي الشهر الماضي اندلعت فيها مواجهات مماثلة بين ميليشيات “أبوراس” وميليشيات “القصب” وهما من أكبر الميليشيات المسيطرة على المدينة والمتمركزة داخلها، مما يصعب على الأمن في الغرب الليبي ضبط الوضع في ظل قرارات سابقة لحكومة طرابلس بإيجاد توازن داخلي بين المجموعات المسلحة، فالإشراف العسكري على هذه الميليشيات يخضع لحكومة طرابلس وداعميها الإقليميين والدوليين، وعدم القدرة على ضبط الصراع يوضح هشاشة التوازنات القائمة في تلك المنطقة.

وتتجلى الأهمية الاستراتيجية للزاوية من خلال موقعها الجغرافي ودورها في نسيج البلاد المعقد من الفصائل المسلحة والتحالفات المتغيرة، فرغم أن الاشتباكات الأخيرة هي حالة متكررة ومظهر من مظاهر التوترات العميقة بين فصائل الغرب الليبي، حيث وجدت الحكومة الليبية في طرابلس مع اشتداد الصراع تحديا في مسألة تأمين استقرار المناطق التي تسيطر عليها، فدعوتها الفورية التي وجهها رئيس الوزراء أسامة حماد لوقف إطلاق النار ينقل القلق العميق بشأن تصاعد العنف، حيث امتدت جهود التوسط في الصراع إلى ما هو أبعد من الشخصيات السياسية لتصل إلى شيوخ القبائل، مما سلط الضوء على الآليات التقليدية لحل النزاع التي لا تزال قائمة داخل المجتمع الليبي.

كما سلطت الأحداث الجارية الضوء على المنطقة العسكرية الساحلية الغربية، التي تضم كتائب مكلفة بحماية المدن الساحلية في ليبيا، حيث تم سابقا إعادة فتح الطريق الساحلي من قبل الكتيبة 103، ولكن هذه الكتيبة تعتبر جزءا من نسيج الميلشيات المنتشرة غرب ليبيا، ومعروفة أيضا باسم “كتيبة السلعة” بقيادة عثمان اللهب، ويشار إليها مثل باقي الفصائل في الغرب الليبي على أنها تتبع تيارا سلفيا متشددا، فالاقتتال الذي يحدث بشكل متكرر يظهر كحالة تلويح بالقوة من قبل الفصائل تجاه الحكومة في طرابلس.

الجانب الآخر في الاضطرابات في الزاوية يمكن ربطه بالمشهد السياسي الليبي الأوسع، فهي جاءت بعد الاجتماع التشاوري الذي انعقد في تونس بين أعضاء مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، وذلك لصياغة مسار نحو تشكيل حكومة وطنية جديدة. ويعد هذا المسعى محوريا للإشراف على العملية الانتخابية التي طال انتظارها في ليبيا، ففي قلب المأزق الانتخابي هناك قضايا مثيرة للجدل مثل معايير أهلية المرشحين، مما يعكس الانقسامات العميقة داخل المجتمع الليبي. وكان استبعاد الأفراد العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشيح نقطة خلاف كبيرة، ومما زاد من تعقيدها تأثير الجهات الفاعلة الخارجية والتفويض الشامل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

كل المؤشرات التي تحملها المعارك في الزاوية تعكس الديناميكيات الأوسع نطاقا داخل ليبيا، ابتداء من النزاع المسلح، وحشد الآليات القبلية والسياسية للوساطة، والجهود المستمرة لتجاوز المشهد السياسي المشحون في البلاد، فأي اشتباك بين الفصائل يعطي صورة مصغرة للتحديات التي تواجه ليبيا في طريقها نحو السلام والاستقرار.

على الجانب الدولي تباينت الاستجابات حول ما يحدث من معارك، فالاتحاد الأوروبي والدول المجاورة والأمم المتحدة أعربوا عن مخاوفهم مما يجري، لكن التدخلات ماتزال حذرة في ظل انشغال الولايات المتحدة بالتحضير للانتخابات الرئيسية، ومن جهة أخرى بالحرب في غزة والتحركات الدبلوماسية المرتبطة بها، ورغم أن الأحداث التي وقعت في الزاوية تذكير صارخ بهشاشة الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية تجاه ليبيا، لكن الجهود السياسية تكتفي بتوجيه التحذيرات عبر مجلس الأمن أو باقي الجهات الأوروبية والأمريكية، فالقادة في ليبيا مازالوا بعيدين عن التوصل لتفاهمات تؤدي إلى إجراء الانتخابات وترتيب شرعية جديدة، ورغم اجتماعات تونس فخلافاتهم حول خارطة الطريق المؤدية للحل مازالت بعيدة، وأساس القواعد الدستورية التي تنظم العملية الانتخابية وشروط الترشح للرئاسة هي نقاط خلاف عميق بسبب الانقسام الحكومي والإداري والصراع المستمر على السلطة.

بقلم نضال الخضري

محادثات تركية-مصرية في أنقرة لدعم استقرار ليبيا

اقرأ المزيد