شكلت الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى أوروبا أزمة يصعب التحكم بعواملها، فهي فرضت تداعيات متعددة الجوانب وذلك مع ظهور شبكات تهريب تنامت في ظل الحرب الليبية.
وتطرح هذه المسألة تحديات سياسية وأمنية تواجهها دول القارة الأوروبية في التعامل مع تدفقات المهاجرين، فليبيا، بموقعها الجغرافي على البحر المتوسط، أصبحت نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا، وارتفاع معدلات الهجرة طرح قضايا مرتبطة بالسياسات الداخلية تجاه التعامل مع هذه الظاهرة، وعمقت الانقسامات داخل المجموعة الأوروبية كما أججت شعبية اليمين بمواقفه المتطرفه تجاه المهاجرين.
بالنسبة لليبيا فإن مسألة المهاجرين تخضع لواقع التقسيم الحاصل بين الأطراف المتنازعة، وهو ما يضفي تعقيدا على جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر، وتتوزع هذه الأزمة في ليبيا على منطقتين رئيسيتين، الغربية الخاضعة لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والشرقية تحت إدارة الحكومة المدعومة من البرلمان، ويحاول الجانبان التحكم بهذا، والتواصل مع الشركاء الأوروبيين لإيجاد حلول لهذه الأزمة، فحكومة الشرق بقيادة أسامة حماد تتعامل في مسألة الهجرة مع دول المنشأ مباشرة، خاصة النيجر، في محاولة للسيطرة على مصدر الأزمة من جذورها، وتشمل هذه السياسة إغلاق الطرق الرئيسية للهجرة والتفاوض مع الدول الإفريقية لتنظيم عودة المهاجرين إلى بلدانهم بشكل آمن وقانوني، فنسبة المهاجرين الواصلين لإيطاليا من ليبيا عام 2023 والمنطلقين من سواحل المنطقة الشرقية (حيث تسيطر قوات حفتر) انخفضت مقارنة بازدياد نسبة المهاجرين المنطلقين من سواحل المنطقة الغربية الخاضعة للدبيبة الذي يفضل التعاون مع إيطاليا التي تعد أحد أهم الشركاء الدوليين في هذا الملف.
الجانب الأوروبي الأكثر تضررا من الظاهرة يتمثل في إيطاليا، حيث صرح وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوسي أن بلاده تعاونت مع ليبيا وتونس بشأن الحد من موجات الهجرة غير القانونية، وهو ما منع وصول 121 ألف مهاجر إلى إيطاليا عام 2023 من بينهم أشخاص انتشلت جثامينهم في البحر، وأعلن بيانتيدوسي، في تصريحاته خلال جلسة استماع في لجنة تنفيذ اتفاقية “شنغن” القبض على 550 مهربا في العامين 2022 و2023، وأضاف أن 157 ألف مهاجر بينهم 17 ألف قاصر وصلوا إيطاليا دون ذويهم خلال العام الماضي، وذلك مقارنة بـ105 آلاف في العام 2022 بينهم 14 ألف قاصر، ما يعني أن هناك زيادة كبيرة.
وأقر بيانتيدوسي بأن هذه البيانات لا تتوافق مع ما تطمح إليه حكومته، لكن من الممكن أن تكون هناك أرقام أكبر لو لم تعتمد حكومتها إجراءات متشددة، حيث استطاعت التعامل في وجه التدفق غير العادي حيث يجرى استضافة نحو 140 ألف مهاجر حاليا، وهذه السياسات دفعت إيطاليا إلى محاولة التواصل مع الجانبين الليبيين، وهو ما يعكس إدراك روما لأهمية ليبيا كنقطة عبور، ولضرورة التعاون مع جميع الأطراف لإيجاد حلول دائمة لأزمة الهجرة، وضمن هذه الرؤية جاءت زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تركيا، ولقائها بالرئيس رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، حيث تمت مناقشات حول سبل التعاون للحد من تدفقات الهجرة عبر ليبيا، مما يؤكد على الدور الإقليمي الذي تلعبه تركيا في الملف الليبي، فهي تملك نفوذا وتعاونا وثيقا مع الأطراف الليبية، وهو ما جعلها شريكا استراتيجيا في معالجة هذه القضية، فالنقاشات بين أردوغان وميلوني شملت التأكيد على أهمية تأمين الحدود الليبية وتعزيز القدرات الليبية في مراقبة وضبط الهجرة، بالإضافة إلى التعاون في مجالات الأمن والمراقبة لمكافحة شبكات تهريب البشر.
في نفس الوقت فإن الأنظار تتجه نحو الإجراءات والاتفاقيات التي قد تنتج عن هذه التفاعلات الدبلوماسية، وكيفية تأثيرها على مستقبل الهجرة من ليبيا إلى أوروبا، إضافة للتركيز على الحلول الدائمة، وهو ما تتطلب تعاونًا دوليا وإقليميا يراعي الأمن والاستقرار في ليبيا ويعالج جذور مشكلة الهجرة، مع الحفاظ على حقوق وكرامة المهاجرين.
تعقيدات الهجرة غير الشرعية من ليبيا تحتاج لحلول شاملة ومستدامة، تتجاوز الإجراءات الأمنية لتشمل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول المصدرة للهجرة، وتعزيز سبل الحياة الكريمة للمهاجرين واللاجئين.
بقلم نضال الخضري
اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية الليبي والتونسي بعد تصريحات “ترسيم الحدود”