جاء قرارا البرلمان الليبي بإعلان عدم شرعية حكومة عبد الحميد الدبيبة ليتوج مشهدا سياسيا لا يقدم انقساما سياسيا فقط بل يطرح أيضا طبيعة الأزمة التي تعكس صراعا متعدد الأوجه لا يقتصر فقط على الأطراف الداخلية.
مثل قرار البرلمان الليبي بسحب شرعية حكومة طرابلس ضغطا واضحا لا يرتبط فقط بالخلافات التي ظهرت في عملية التفاوض من أجل الانتخابات، بل يحاول أيضا تقديم كشف كامل للعجز السياسي لحكومة الدبيبة في التعامل مع الأزمات.
وجاء القرار مع أزمة المصرف المركزي الليبي، وتصاعد تأثير المجموعات المسلحة على المؤسسات السيادية الليبية، ومسألة شرعية حكومة الوحدةالوطنية المنتهية الولاية كانت هشة حتى قبل قرار البرلمان الليبي؛ لأنها ظهرت كمعطل لكافة أشكال التحرك السياسي والاستقرار في ليبيا.
حكومة الدبيبة ومسألة الشرعية
منذ عام 2021 وبعد تم تعيين عبد الحميد الدبيبة رئيسا للوزراء من خلال منتدى الحوار السياسي الليبي، بدأت مرحلة اختبار صعبة للحلول السياسية للأزمة الليبية القائمة على توازنات مصالح مركبة بين الداخل الليبي والقوى الخارجية.
ودعمت الأمم المتحدة المبادرة التي تهدف إلى الوصول للانتخابات، باعتبار أن حكومة الدبيبة كانت “انتقالية” ولمدة 18 شهرا فقط، حيث كان من المفترض أن تعمل على إنجاز الانتخابات في ديسمبر 2021، لكن هذا الأمر لم يحدث وظهر فراغ سياسي تعامل معه البرلمان بإعلانه انتهاء ولاية الدبيبة، وعين أسامة حماد رئيسا للوزراء.
واستمرت حكومة الدبيبة احتكارها للسلطة رغم أنها وفق المبادرة الدولية لم تعد تملك أي شرعية، في المقابل فإنها على المستوى الدولي بقيت تمثل ليبيا بفعل التوازنات الدولية التي تسعى إلى التعامل مع جهاز حكومي هش، يمكن من خلاله القيام بتأثيرات مباشرة على المشهد السياسي الليبي الداخلي.
وظهرت كافة التعقيدات في الغرب الليبي مع بقاء حكومة الدبيبة، واستنادها إلى مراكز قوى فرضتها المجموعات المسلحة وفرضت معها واقعاً خاصاً، وإصرارها على البقاء في السلطة حتى إجراء الانتخابات، في وقت يعتمد مجلس النواب، بقيادة عقيلة صالح، على ما أعلنته مبادرة منتدى الحوار بشأن المدة الزمنية لحكومة الدبيبة، وعجزها خلال الفترة الانتقالية من تحقيق الانتخابات.
تحرك البرلمان والتوترات السياسية المتزايدة
أدى تصويت البرلمان الليبي على تجريد الدبيبة من شرعيته، إلى جانب قراره بتسليم القيادة العسكرية لرئيس البرلمان عقيلة صالح، إلى إعادة رسم المشهد السياسي ووضع الصراع الداخلي ضمن آلية مختلفة اتضحت معالمها بشكل مباشر.
والانقسام بين الشرق والغرب الليبيين لم يكن يحتاج لقرارات من البرلمان فهو واضح قبل تعيين الدبيبة في عام 2021، وهو أيضاً يوضح اتجاهين في الإدارة السياسية للبلاد؛ الأولى ظهرت في الشرق من خلال تعزيز المؤسسات السيادية وعلى الأخص الجيش، أما الاتجاه الثاني فكان يتطور في الغرب الليبي ويعتمد على خلق شبكة ما بين الميلشيات المسلحة وإدارات الدولة؛ مستفيداً من الفراغ السياسي القائم.
عمليا،ً فإن وصول الأزمة إلى هذه المرحلة ينقل طبيعة السلام الهش الذي أنتجته المبادرات الدولية، حيث سعت إلى حالة توافق بين الأطراف دون النظر إلى عمق الاشتباك الحاصل بين الأطراف الليبية الذي يعبر في عمقه عن صراع مصالح دولية بالدرجة الأولى حول ليبيا، فالتأزم بين الشرق والغرب كان ينعكس مباشرة على الثروة النفطية الليبية، وبشكل يؤشر على أن الترتيبات الليبية على المستوى الدولي متعلقة بالدرجة الأولى في توزيع المصالح الدولية والإقليمية.
دور الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية
قدمت صورة الشرق الليبي إقليمياً حالة استقرار واضحة وفعالة ضد انتشار حالة التطرف التي ميزت المرحلة الأولى من الأزمة الليبية، وهذا الأمر هو ما دفع مصر إلى علاقة خاصة مع حكومة حماد التي قدمت على الأقل قدرة على كسر معادلة قوة الأمر الواقع للميليشيات كما هو في الغرب الليبي.
ولكن مسألة التأثيرات الإقليمية على المشهد الليبي تتجاوز الجوار الجغرافي، وهو ما يعقد الحلول السياسية التي تحاول الضغط على الأطراف، فإذا كانت علاقات مصر مع ليبيا هي علاقة جوار جغرافية، فإن حكومة الدبيبة أنشأت علاقات على مستوى آخر عبر الاتفاقيات مع تركيا التي منحتها امتيازات عسكرية واقتصادية.
ويقدم نموذج التحالفات حالة تتجاوز مسألة المصالح الإقليمية والدولية، فهو يعقد من الحل السياسي ويجعل مسألة شرعية حكومة الدبيبة شأناً مرتبطاً أيضاً بصراع المصالح.
وحتى على المستوى الأوروبي هناك انقسام في آلية التعامل مع ليبيا، وخاصة إيطاليا وفرنسا، اللتان تملكان مصالح مختلفة مع ليبيا، وهوما يجعل القرارات الليبية الداخلية موضوعاً يؤثر بشكل مباشر على المصالح الغربية.
إن قرار البرلمان الليبي الذي يبدو حالة تصعيد سياسي، إلا أنه في نفس الوقت قدم شكلاً من الفرز للقوى على المستوى الداخل الليبي، فهو يوضح المأزق الليبي نتيجة عدم قدرة حكومة الدبيبة المنتهية الولاية من الوصول إلى نقطة الانتخابات، وفي نفس الوقت يضع حدوداً لواقع الأزمة الليبية التي تتشابك في العوامل الدولية والإقليمية.
وأن استمرار الجمود يحتاج في النهاية لجرأة على مستوى تحديد المسؤولية السياسية، وذلك لدفع الجميع نحو الوصول إلى حل سياسي يراعي المصلحة الليبية بالدرجة الأولى بعيداً عن أي ضغوط دولية أو إقليمية.
بقلم نضال الخضري
ليبيا.. قادة دول مؤتمر “الهجرة عبر المتوسط” تسعى لتوحيد الجهود وتطوير الحلول من جذورها