الجدل حول الخروقات التي تضرب القطاع الصحي في ليبيا تجدّد بعد انتقاد حاد من لجنة الصحة للسلطات، مؤكدة أن الرعاية الطبية باتت تُمنح بالوساطة والمحسوبية، في ظل أزمات الانقسام والفوضى المستمرة منذ 2011.
ويرى مراقبون أن الفساد في المجال الصحي بات “جرحاً مفتوحاً يتمدد باستمرار”، في ظل القضايا التي يكشفها مكتب النائب العام بشكل شهري، وما تخلفه من ضغوط هائلة على حياة المواطنين وصحتهم.
وفي بيان شديد اللهجة منتصف الأسبوع، عبّر أعضاء لجنة الصحة عن استيائهم من “تعقيدات إدارية مرهقة وتعالٍ غير مبرر” في التعامل مع معاملات المرضى، وانتقدوا غياب آليات تنظيم واضحة للعلاج داخل البلاد وخارجها، ما جعل المواطن “ضحية فوضى إدارية وهيئات عاجزة عن أداء مهامها”.
وتزامن هذا التصعيد مع انتشار تسجيل مصوّر للناشط عبد الناصر الخشيف، روى فيه مأساة أسرة باعت كل ما تملك لعلاج أحد أفرادها قبل أن تصل إلى حد مطالبة الطبيب بنزع جهاز التنفس عنه، مشيراً إلى تكرار هذه المعاناة رغم “هدر مليارات الدنانير في الإنفاق الحكومي”.
وتتواصل أيضاً احتجاجات مرضى ضمور العضلات أمام مقر الحكومة في طرابلس، في ظل تجاهل رسمي لمعاناتهم، بينما يشكو مرضى الأورام من ظروف مشابهة.
وفي بيانهم، دعا البرلمانيون النائب العام والأجهزة الرقابية إلى “تحقيق عاجل وشامل” في الخروقات المرتبطة بالأجهزة الصحية، خصوصاً جهاز تطوير الخدمات العلاجية، منتقدين ما وصفوه بـ”الصمت المريب” الذي يزيد معاناة الفقراء.
لكن المدير السابق لـ”المركز الوطني لتطوير النظام الصحي”، عادل الديب، اعتبر أن البيان “غير كافٍ”، مؤكداً أن البرلمان كان عليه فتح تحقيق مباشر منذ البداية، لا أن يتحرك كرد فعل على تأخر معاملات العلاج الخاصة بالنواب.
ومع ذلك، شدد الديب على أن “الفساد وصل ذروته في القطاع الصحي”، محذراً من “انهيار كامل في القريب العاجل”، في ظل مؤشرات صحية خطيرة تشمل ارتفاع وفيات الأطفال، وتلوث مياه الشرب ببكتيريا البراز، وانتشار التقزم وسوء التغذية، وتراجع تغطية التطعيمات، وزيادة نسب الولادات القيصرية.
وفي سياق متصل، تحدث الطبيب الليبي المقيم في الولايات المتحدة، هاني شنيب، عن تجربته في محاولة تطوير الخدمات الطبية، مشيراً إلى أن مبادراته اصطدمت بـ”الفساد والصراعات الداخلية”، رغم بعض الإنجازات المحدودة التي حققها في المدن التي زارها.
وتستمر الاتهامات في ليبيا بشأن ملف التعاقدات الدوائية والعلاج بالخارج، وسط غياب تقارير رقابية حديثة، إذ لم يصدر تقرير ديوان المحاسبة للعام الماضي بعد، رغم إعلان رئيسه خالد شكشك اعتماد آليات رقابية جديدة لتحسين جودة الخدمات.
ومن جهته، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة في أبريل الماضي أن مكافحة الفساد في القطاع الصحي “أولوية قصوى”، غير أن التجاوزات المالية والإدارية “تدار بملايين الدنانير والدولارات”، وفق الإعلامي محمد القرج المهتم بملفات الفساد.
ويستند القرج في تقديراته إلى بيانات مكتب النائب العام التي كشفت ضبط 11 قضية فساد بين يناير و 9 نوفمبر 2025، شملت 32 موقوفاً من وزراء ومسؤولين ورؤساء هيئات، توزعت بين اختلاس وتزوير وتعاقدات طبية غير قانونية وفواتير وهمية وإهمال إداري جسيم.
ومن أبرز هذه القضايا قرار حبس وزير الصحة رمضان أبو جناح وعدد من كبار المسؤولين في مايو الماضي، على خلفية تحقيقات تتعلق باستيراد أدوية أورام من العراق.
وتؤكد نقابة الأطباء أن نحو 500 طبيب يغادرون ليبيا سنوياً إلى الولايات المتحدة وكندا، بسبب «الإهمال المتعمد للكادر الطبي وضعف الإمكانيات».
ويؤكد عادل الديب لـ”الشرق الأوسط” أن الانقسام الحكومي وغياب الإرادة السياسية “أكبر عائق أمام أي إصلاح”، مشدداً على أن الموارد المخصصة للصحة “ستذهب هباءً دون إصلاح سياسي وأمني شامل”.
ويرى خبراء أن إنقاذ القطاع الصحي يتطلب وقف “التدمير الممنهج” واعتماد سياسات وطنية تشاركية تستفيد من الخبرات الدولية، بما يضمن وقف التدهور الخطير في المؤشرات الصحية وحماية حياة المواطنين.
الحكومة الليبية المكلّفة تسعى لتحسين الاستثمارات الروسية في ليبيا
