جاء قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) لمدة ثلاثة أشهر حتى يناير 2025، ليضع مستقبل ليبيا على احتمالات مفتوحة وحمل ردود أفعال متباينة من السياسيين الليبيين.
القرار الجديد لا يحمل خطوطاً جديدة على مستوى الحل السياسي الليبي، فمنذ عام 2011 أصدرت الأمم المتحدة العديد من القرارات بشأن ليبيا، ابتداء من القرارين 1970 و1973، اللذين أدانا انتهاكات حقوق الإنسان.
والقراران فرضا عقوبات على المسؤولين الليبيين، حظراً على الأسلحة، وأجازا منطقة حظر جوي لحماية المدنيين، وبعد سقوط نظام معمر القذافي حولت الأمم المتحدة تركيزها دعم التحولات السياسية.
وأنشأ القرار 2009 بتاريخ 2011 بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للمساعدة في الحكم وسيادة القانون وبناء المؤسسات الديمقراطية، وعزز القرار 2144 بتاريخ (2014) جهود الحوار السياسي، وأعاد تأكيـــد مجلس الأمن التزامـــه القـــوي بـــسيادة ليبيـــا واســـتقلالها وســـلامتها الإقليميـــة ووحدته الوطنية.
ووضع القرار 2174 بتاريخ أغسطس (2014) ليبيا تحت البند السابع داعياً فيه جميع الأطراف المتنازعة إلى وقف فوري لإطلاق النار فورا ًوحماية المدنيين وتقديم كل من يتعرض لهم للعدالة، وفرضعقوبات مستهدفة على الأفراد الذين يعرقلون جهود السلام.
بعد عام 2015، أصدرت الأمم المتحدة قرارات إضافية لمعالجة التحديات الجديدة في الصراع المستمر في ليبيا، حيث عدّل القرار 2376 الصادر بتاريخ (2017) المتعلق بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لمدة سنة أخرى.
وكما تم تفويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمكافحة انتهاكات حقوق الإنسان، مع التركيز بشكل خاص على أزمة المهاجرين والاتجار بالبشر، وتبع ذلك القرار 2510 بتاريخ (2020)، الذي يدعم نتائج مؤتمر برلين، والذي دعا إلى التزام دولي بوقف إطلاق النار وعدم التدخل في ليبيا.
وأكد القرار 2570 بتاريخ (2021) على الحاجة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وحث على انسحاب القوات الأجنبية، وقدم إطاراً للعملية الانتخابية في ليبيا، مؤكداً على الحل السياسي بقيادة ليبية.
لكن كافة القرارات لم تؤثر على التناقضات داخل المشهد السياسي الليبي، والقرار الأخير الذي مدد لبعثة الأمم المتحدة عكس فقط التناقضات بين روسيا والولايات المتحدة.
وكشف القرار 2570 عن توترات جيوسياسية متجددة بين الدولتين لا سيما فيما يتعلق بتعيين ستيفاني خوري كرئيسة مؤقتة للبعثة، فخطط الولايات المتحدة باتت واضحة في هذا الموضوع.
وتشكل خوري جزء من رؤية البيت الأبيض في تأجيل الحل السياسي الليبي بانتظار موازين سياسية جديدة، وهو ما يحاول الطرف الروسي مجابهته داخل أروقة الأمم المتحدة، أما على الصعيد الليبي الداخلي فكل جهة رأت في القرار ما يتماشى مع مصالحها الخاصة.
التمديد المحدود والاستقرار الليبي
رأى العديد من الأطراف السياسية الليبية في التمديد لثلاثة أشهر فقط إشارة على غياب استراتيجية واضحة لدى المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في ليبيا، وأصدر “الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية” الذي يضم عدة تيارات سياسية مؤثرة، بياناً انتقد فيه هذا التمديد المحدود، معتبرا ًأنه “يعكس غياب رؤية واضحة لحل الأزمة الليبية”، وأكد أن هذا القرار لا يؤدي سوى إلى إطالة أمد “حالة عدم اليقين والترقب” التي تعاني منها ليبيا منذ أكثر من عقد.
وأشار البيان إلى ضرورة تعزيز الدور الروسي في رسم مستقبل ليبيا، مشدداً على أن روسيا، كعضو دائم في مجلس الأمن، يجب أن يتخطى دورها النقدي وتقدم “مقترحات عملية وبناءة” تسهم في تعزيز الاستقرار والسلام في البلاد، وأكد الاتحاد على أهمية استعادة الأطراف الليبية لقرارها الوطني، عبر “مقاربة ناضجة” تتناول جذور الصراع وأسبابه.
ويلامس بيان “الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية” الإشكاليات التي ظهرت خلال مناقشات مجلس الأمن، والتوتر الدبلوماسي بين روسيا والولايات المتحدة بشأن ليبيا.
وأعرب المندوب الروسي عن استيائه من خطط تعيين الأميركية ستيفاني خوري كرئيسة مؤقتة للبعثة، واعتبرها تكراراً لتجربة المبعوثة السابقة، ستيفاني ويليامز، التي أثارت فترة عملها آراء متباينة.
وترى روسيا هذا التعيين محاولة جديدة لتعزيز النفوذ الأميركي على الساحة الليبية، وتشكك في قدرة بعثة ترأسها خوري على لعب دور حيادي، وهو ما جعلها تطلب تمديداً محدوداً ولزمن قصير، وهو يشكل اختباراً لعمل خوري في ليبيا.
بالنسبة للولايات المتحدة فهي تعتبر أن التفويض المحدود للبعثة يقيد من قدرتها على تنفيذ سياسات طويلة الأمد لاستقرار ليبيا، فواشنطن تريد تمديداً لفترة أطول من أجل دعم جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات المؤجلة في ليبيا، ورغم ذلك، فإن القرار قد تم اعتماده بتمديد مدته ثلاثة أشهر فقط، مع شروط تمديد تسعة أشهر إضافية في حال تعيين مبعوث جديد.
فرص تحقيق التقدم سياسياً
داخل ليبيا هناك اتجاه لدى معظم الاتجاهات السياسية على دعم خارطة الطريق التي وضعتها لجنة 6+6، وهي اللجنة المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة التي تولت مهمة إعداد القوانين الانتخابية اللازمة لكسر الجمود السياسي.
ورحب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بقرار مجلس الأمن، واعتبره فرصة لتجديد الزخم في العملية السياسية، ودعا المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط على الأطراف الليبية لتنفيذ هذه القوانين الانتخابية وتسريع الاستعدادات لإجراء انتخابات شاملة، وأعرب عن أمله في أن يدعم مجلس الأمن خارطة الطريق من خلال فرض عقوبات على الجهات التي تعرقل مسار السلام، مشدداً على أن “ليبيا المستقلة والمتحدة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة تحت رعاية منظمة دولية محايدة”.
ورغم أن تمديد ولاية البعثة الأممية يمثل فرصة لتحقيق تقدم سياسي، إلا أن العديد من السياسيين الليبيين يخشون أن يصبح هذا التمديد حلقة أخرى في سلسلة من التفويضات المؤقتة التي لا تحقق تقدما فعلياً نحو الوحدة والاستقرار.
ولدى العديد من السياسيين ومنظمات المجتمع المدني في ليبيا مخاوف من الاعتماد المفرط على الأدوار الدولية، ويدعون إلى حل ليبي للأزمة، مطالبين بتقليل الاعتماد على القوى الخارجية وتبني عملية سلام يقودها الليبيون أنفسهم، وهو ما أشار “الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية” في بيانه إلى أن التدخلات الدولية لم تلب “تطلعات الشعب الليبي”.
ويوضح النقاش الحالي حول دور الأمم المتحدة في ليبيا ضرورة تحقيق توازن دقيق بين الدعم الدولي وتمكين الأطراف الليبية من اتخاذ قراراتها بشكل مستقل.
فبالنسبة للأمم المتحدة، يبقى التحدي الأكبر في كسب ثقة الأطراف الليبية التي تملّكت مشاعر الإحباط من سلسلة طويلة من الوعود الدولية التي لم تتحقق، فالكثيرون في ليبيا يشككون في جدوى تمديد آخر دون دعم قوي وفعّال للإصلاحات السياسية الحقيقية.
التأثير الإقليمي والآثار الأوسع على شمال إفريقيا
تمتد آثار الأزمة الليبية إلى ما هو أبعد من حدودها، ما يؤثر بشكل مباشر على استقرار شمال إفريقيا ككل، وهو ما أبدته الأمم المتحدة من قلق تجاه التداعيات الإقليمية للأزمة، خاصة في ظل تزايد تدفقات الأسلحة والجماعات المسلحة عبر الحدود.
وناشد القرار الأخير جميع الأطراف الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 وتنفيذ بنوده بالكامل، فالقرار الأممي شدد أيضاً على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، ووفق العديد من المؤشرات فإن الأزمة الليبية ما لم تصل إلى حل سياسي فإنها ستغذي حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
وفي يناير 2025 سينتهي التفويض الحالي لبعثة الأمم المتحدة، تمثل الأشهر الثلاثة المقبلة مرحلة حاسمة لكل من الأمم المتحدة والسلطات الليبية.
وسيبقى التركيز متجها نحو تعيين مبعوث أممي جديد قادر على التفاعل مع الأطراف المحلية والدولية، خاصة في ظل الانقسام المتجدد بين الولايات المتحدة وروسيا حول مستقبل البعثة.
وأن دور المجتمع الدولي في ليبيا اليوم على مفترق طرق، وهو ما يظهر عن النخب السياسية الليبية من تفاؤل حذر بشأن آفاق المرحلة المقبلة.
فالقرارات الدولية المتكررة والتناقضات داخل الحياة السياسية الليبية باتت حالة لا يراها السياسيون على أنها ضمانات للحل السياسي، لأن هذه القرارات تعكس في النهاية خلافات أوسع على المستوى الدولي، وتضارب في المصالح تحاول الولايات المتحدة أن تجعله لصالحها عبر القرارات الدولية.
بقلم نضال الخضري
ليبيا… مجلس الدولة الليبي يرفض إجراءات ترشح رئاسة الحكومة