في مثل هذا اليوم، في 16 سبتمبر 1931، وقعت ليبيا على حدث لا يزال محفوراً في ذاكرة الأمة، حيث فقدت واحداً من أعظم رموز مقاومتها ضد الاستعمار الإيطالي.
وعُرف بـ “أسد الصحراء”، إنه الشيخ المجاهد عمر المختار، الذي قاد ثورة استمرت لعقدين من الزمن ضد الاستعمار الإيطالي الذي حاول استعباد أرض ليبيا وشعبها.
ولد عمر المختار عام 1862 في قرية جنزور شرقي برقة، ونشأ في بيئة متدينة ومتواضعة، حيث تلقى تعليمه في الزوايا الدينية التي كانت تُعنى بتعليم القرآن والفقه، ومنذ صغره، تميز بشخصيته القوية وبروحه المقاومة، التي انصهرت لاحقًا في محاربة الاستعمار الإيطالي الذي بدأ غزوه لليبيا عام 1911.
المقاومة المسلحة
مع بداية الاحتلال الإيطالي، كانت المقاومة الليبية مجزأة وغير منظمة، ولكن مع بروز شخصية عمر المختار، تحولت إلى مقاومة مدروسة ومنظمة. قاد المختار مجاهدين قبائل برقة في معارك ضد القوات الإيطالية، ورغم قلة عددهم وضعف تسليحهم مقارنةً بالعدو، إلا أن معرفته بالبيئة الصحراوية، واستخدامه للتكتيكات العسكرية المبنية على حرب العصابات، مكنته من إلحاق خسائر كبيرة في صفوف العدو.
استمرت المقاومة المسلحة بقيادة المختار لأكثر من 20 عاماً، وكان الإيطاليون يعتبرونه العدو الأول لهم. لم يستسلم المختار رغم الحصار الشديد والمطاردة المستمرة، بل زاد من تصميمه على القتال. وكان دائماً يقول: “إننا لا نستسلم، ننتصر أو نموت”، هذه الجملة التي أصبحت رمزاً للمقاومة والتحدي.
الاعتقال والمحاكمة
في سبتمبر 1931، وبعد سنوات من الكفاح المرير، سقط المختار في قبضة القوات الإيطالية بعد معركة غير متكافئة في منطقة وادي بوفا. تم أسره وهو في السبعينيات من عمره، وأخضع لمحاكمة صورية انتهت بإصدار حكم الإعدام عليه.
رغم الضغط الكبير على المختار خلال المحاكمة ليعترف ويطلب العفو، إلا أنه أظهر شجاعة وثباتاً لا نظير لهما، ورفض جميع العروض التي قدمت له من قبل السلطات الإيطالية للتخلي عن المقاومة، مؤكداً أن دوره في الدفاع عن وطنه هو واجب ديني ووطني لا يمكن التخلي عنه.
الإعدام واستشهاد البطل
في صباح يوم 16 سبتمبر 1931، تم إعدام عمر المختار شنقاً في معسكر سلوق أمام الآلاف من الليبيين الذين أُجبروا على مشاهدة إعدام قائدهم. ورغم نهايته المأساوية، إلا أن استشهاده كان بداية جديدة لنضال الشعب الليبي، حيث ظل المختار رمزًا للمقاومة ضد الطغيان والاستعمار.
إرث المختار
بعد مرور 93 عاماً على استشهاده، لا يزال عمر المختار حياً في قلوب الليبيين والعالم العربي كرمز للشجاعة والنضال من أجل الحرية، حيث ساهم فيلم “أسد الصحراء” الذي أخرجه مصطفى العقاد في الثمانينيات، في تخليد ذكراه وجعلها تصل إلى العالم أجمع.
لقد ألهمت شخصية المختار الأجيال المتعاقبة، وكان استشهاده دافعاً لاستمرار النضال الليبي حتى تحقيق الاستقلال عام 1951، وتبقى كلماته ومواقفه رمزاً للكرامة والعزة، وتذكرة دائمة بأن الشعوب الحرة لا يمكن أن تركع أمام الطغيان.
في ذكرى وفاة عمر المختار، نستحضر روح هذا البطل الذي ضحى بحياته من أجل وطنه، ونستمد منه العبر والقيم التي تلهمنا لمواجهة التحديات والوقوف في وجه الظلم مهما كان حجمه.
توقيف مسؤولين ليبيين بالمصرف التجاري لتورطهم في الاختلاس