22 نوفمبر 2024

.لم يتأخر تنظيم “داعش - ولاية خرسان” في الإعلان عن مسؤوليته في استهداف المركز التجاري بأحد ضواحي موسكو مساء يوم الجمعة، والذي أسفر عن عشرات الضحايا والجرحى من المدنيين. وعن دور أجهزة المخابرات البريطانية في إدارة خلايا التنظيم، بحسب محللين.

وجاءت عملية التنظيم الإرهابي بعد أربعة أيام على إعلان فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئيسية، في رسالة أصبحت واضحة من خصومه رداً على فوزه والانتقام من انتصاراته على الساحتين السياسية والميدانية باستهداف حاضنته الشعبية التي صوتت لصالح فوزه.

وأعلن تنظيم “داعش” الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم، وقال في بيان نشره عبر قناته على تلغرام، أن مقاتليه “هاجموا تجمعاً كبيراً في ضواحي العاصمة الروسية موسكو، ومن ثم انسحبوا إلى قواعدهم بسلام”.

ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن في كلمة متلفزة، مساء اليوم السبت، أن القوات الأمنية تمكنت من القبض على جميع الجناة الأربعة المنفذين المباشرين للهجوم الإرهابي.

وجاء إلقاء القبض على الإرهابيين أثناء محاولتهم الهرب إلى أوكرانيا، والتي باتت تمثل ساحة ملائمة لتدريب الجماعات الإرهابية والمتشددة، لشن هجمات إرهابية على روسيا، خصوصاً بعد فتح “الناتو” أبوابه لاستقطاب كل ما يمكن استقطابه من متشددين، في محاولة أميركية بريطانية لإضعاف موسكو.

ويعتبر مثل هذا الهجوم الإرهابي الدموي (154 قتيلاً) في العاصمة الروسية محاولة لضرب صورة قوات الأمن، ومحاولة لإظهار وجود خروقات أمنية في روسيا، وفق السيناريو الذي رسمه معدّو وداعمو هذا الهجوم الإرهابي، غير أن رد الفعل الفوري لقوات الأمن الروسية، ونجاحها، خلال وقت قياسي، في تحديد هوية الجناة والقبض عليهم، أحبط هذه المحاولات، وعزز صورة الامن الروسي، وأجهزة القضاء التي تنظر في القضية في الوقت الحالي في محكمة باسماني، حيث تم نقل المتورطين لتلقي عقابهم القانوني.

القواعد الأمريكية في سوريا تدعم التنظيم

وبات من الواضح أن التنظيم لم يعد يخفي ارتباطه الوثيق بغرف الاستخبارات الأمريكية وحلفائها وتنفيذه لأجنداتها، حيث يركز عملياته ضد القوات الروسية والجيش السوري في سوريا في المواقع التي يتواجد فيها قواعد للجيش الأمريكية شرق البلاد، ولاسيما في منطقة التنف عند المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني.

وتكشف عمليات التنظيم استهدافه لكل الدول التي تشهد علاقاتها توتراً مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الغرب، ففي يناير الماضي أعلن تنظيم “داعش خرسان” مسؤوليته عن هجوم استهدف موكب تأبيني في منطقة كرمان بإيران وأسفر عن 84 قتيلاً، وفي سبتمبر أيلول 2022، أعلن مسلحو التنظيم مسؤوليتهم عن تفجير انتحاري تسبب في سقوط قتلى بالسفارة الروسية في كابل.

وفي النيجر، تبنى التنظيم هجوماً ضد جيش النيجر أدى لمقتل 30 جندياً وإصابة 17 آخرين، بعد أيام قليلة من إلغاء اتفاقية تسمح بالوجود العسكري الأميركي في البلاد، والطلب من هذه القوات المغادرة فوراً.

بريطانيا تدعم التنظيم لوجستياً                                             

ولا يمكن تجاهل دور الاستخبارات البريطانية في دعم نشاط تنظيم “داعش” في الشرق الأوسط، والتي بات ورقة لاستخباراتها تحركها متى تشاء ونحو أي هدف تريده، عبر تأمين كافة الوسائل اللوجستية من خلال سفاراتها لعناصر التنظيم، وذلك من تأمين للوثائق وجوازات السفر والأموال.

وفي آخر إحصائية صدرت قبل نحو عام، أكدت فيها بريطانيا أن أكثر من 950 من مواطنيها التحقوا في صفوف تنظيم “داعش” في سوريا، وذلك عبر لسان مدير جهاز استخباراتها، مؤكدا أن أكثر من نصفهم عاد إلى البلاد، ويخضعون لنظام المراقبة، الأمر الذي يؤكد استخدام الاستخبارات البريطانية هؤلاء كوسيلة اتصال مع غرف عمليات التنظيم والاستفادة منهم في التواصل، وقالت الحكومة البريطانية وقتها إنها أخضعت العائدين إلى نظام مراقبة شديد وجهاز تتبع، الأمر الذي نفاه كثيرون وأكدوا أن جهاز التتبع لم يتم تركيبه إلا على 4 أشخاص فقط من العائدين.

ووفقاً لمعلومات من مصادر مرتبطة بأجهزة المخابرات الروسية، فإن التنظيم قد يكون مدعوماً من بريطانيا، التي تحاول إضعاف روسيا كمركز إقليمي، في ميادين عدة أبرزها أوكرانيا. وليس من قبيل الصدفة أن بوريس جونسون، رئيساً لوزراء المملكة المتحدة السابق، كثيراً ما سافر إلى كييف وقام بتصعيد الصراع، واعداً أوكرانيا بالدعم الكامل.

وفي اعترافات أحد عناصر التنظيم الذي اعتقله الأمن الروسي ويدعى فريدون شمس الدين، أكد أنه وصل إلى موسكو قادماً من اسطنبول في الرابع من مارس الحالي، وهذا ما يؤكد استقدام المخابرات الأمريكية وحلفائها هؤلاء العناصر من معاقلهم في منطقة التنف ونقلهم إلى تركيا تمهيداً لإرسالهم لتنفيذ عملياتهم ضد خصوم أمريكا وحلفائها.

وكما أظهرت الصور التي بثتها وسائل إعلام روسية عمليات اعتقال الأمن الروسي للإرهابيين خلال هروبهم نحو الحدود الأوكرانية، أنه من بين الجنسيات المشاركة في الهجوم الإرهابي على المركز التجاري مسلح من دولة طاجيكستان، وخيار تجنيد “داعش” هؤلاء من هذه الجنسية لم يأتي من فراغ، حيث تسعى الاستخبارات البريطانية منذ فترة إلى إشعال التوتر بين موسكو و دول الاتحاد السوفيتي سابقا ( كازاخستان، طاجيكستان، أوزبكستان).

وهذا النوع من الهجمات الإرهابية يمكن أن يزيد من التوترات بين الدول المعنية لذلك كان خيار الدول الداعمة للهجوم اختيار مسلحين من هذه الجنسيات للاستفادة من عاملين، الأول سهولة الحركة لتنفيذ العمليات، والثاني خلق حالة من عدم الثقة بين موسكو وحلفائها، ما قد يشجع على تشديد الإجراءات الأمنية على الزيارة المتبادلة لمواطني تلك الدول، مما يزيد من حدة التوترات ويجعل التعاون السلمي أكثر صعوبة. وفي النهاية، يمكن أن يستفيد المتطرفون والمنظمات الإرهابية من هذا الصراع المحتمل من خلال تعزيز تواجدهم ونفوذهم في المنطقة وتعزيز دعمهم المحلي من قبل الدول المستفيدة من هذا التوتر ولاسيما بريطانيا.

ويقول كولين بي كلارك، محلل مكافحة الإرهاب في مجموعة “سوفان”، وهي شركة استشارات أمنية مقرها نيويورك” لقد كان تنظيم داعش – ولاية خراسان يركز اهتمامه على روسيا على مدى العامين الماضيين، وكثيراً ما ينتقد الرئيس فلاديمير بوتين في دعايته لتدخله في أفغانستان والشيشان وسوريا”.

ويرتبط أحد الأسباب وراء استهداف “داعش- خراسان” لروسيا بالتدخلات العسكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا، وهذا تسبب بتراجع الدور الأمريكي في المنطقة بعد خسارتها الكثير من أدواتها التي كانت تستخدمها لضرب مصالح خصومها.

و أشارت تقارير إلى أن “داعش” قد استغلت التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة لتنفيذ هجمات تستهدف المصالح الروسية وحلفائها. ويتم اعتبار هذه الهجمات بمثابة رد فعل على التدخلات العسكرية الروسية في الشرق الأوسط وبعض دول شمال أفريقيا.

بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن بعض الفصائل المتشددة قد استغلت الانزعاج من سياسات روسيا في الشرق الأوسط وآخرين قد يكونون يحملون شعوراً بالظلم للقيام بتجنيد أعضائهم وتوجيه هجماتهم ضد مصالح روسيا وأيضًا لتنفيذ أجنداتهم الإرهابية.

وتعزز بعض الفصائل المتشددة من استراتيجياتها وهجماتها كرد فعل على ما يعتبرونه تدخلًا روسيًا في شؤون الدول الأخرى، بما في ذلك أوكرانيا، حيث تحاول الاستفادة من الطرف الآخر لتنفيذ أهداف له داخل المصالح الروسية مقابل الحصول على الدعم المادي الذي يحفظ استمرار التنظيم وتوسعه.

ويعتبر التحذير الذي أطلقته الاستخبارات الأمريكية والبريطانية خلال الأسابيع الماضية لروسيا من احتمال وقوع هجمات على أراضيها، دون أن تظهر المزيد من التفاصيل حول مصدر هذه الاحتمالات، تأكيداً واضحاً حول علاقة استخبارات البلدين مع تنظيم “داعش”، حيث لم يخرج هذه الإعلان من فراغ، وما هو إلا محاولة أمريكية بريطانية مشتركة لمنع توجيه أصابع الاتهام نحوأوكرانيا التي أكدت اعترافات أحد المسلحين المشاركين في الهجوم على أنها كانت وجهة الهروب بعد تنفيذ العملية، بتنسيق مع أشخاص في داخل حدودها.

ما هو تنظيم “داعش – ولاية خرسان

تأسس هذا الفرع في عام 2014، وهو العام الذي أعلن فيه تنظيم “داعش” الرئيسي إنشاء “خلافة” في سوريا والعراق. وكان من بين مؤسسيها أنصار سابقون لطالبان في أفغانستان وباكستان، فضلاً عن أنصار تنظيم القاعدة. ويدفع تنظيم “داعش” في خراسان دوراً بارزاً، حيث يقدر عدد المسلحين النشطين للتنظيم بشكل تقديري نحو 6000 مسلح، وتركزت أعنف الهجمات الأخيرة للتنظيم في أفغانستان وباكستان.

ويتزعم ولاية خرسان شهاب المهاجر أو المعروف باسم ثناء الله الصادق (الغافري)، وهو عراقي الأصل من مواليد أفغانستان 28 أكتوبر 1994، وهو المسؤول عن الموافقة على كل عمليات التنظيم في أنحاء أفغانستان، وعن توفير التمويل لها.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة بأنه منذ يونيو عام 2020، وتحت قيادة الزعيم “المهاجر”، فإن الفرع “لا يزال نشطاً وخطيراً” ويسعى إلى تضخيم صفوفه بمقاتلي طالبان الساخطين والمتشددين الآخرين.

وكان يعمل “المهاجر” مقاولاً لدى شركة أمنية، وكان يزور مطار باغرام أحد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان بشكل متكرر. وكان الحارس الخاص للنائبين الأولين للرئيس عبد الرشيد دوستم وأمر الله صالح، و لديه رخصة لنقل الأسلحة منذ عام 2017.

وتشير كل المعطيات إلى أن المهاجر كان قد نجح في فتح قنوات اتصال مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية خلال فترة تواجد تلك الدولتين في أفغانستان، ولم يعد مستبعداً أمر تصفيته بعد انتهاء مهامه في تنفيذ عمليات تخدم مصالح الدولتين، وقد تفضح جريمة المركز التجاري في موسكو الكثير من الأمور التي تؤكد تورط استخبارات تلك الدول في الجريمة، ولكن بانتظار انتهاء التحقيقات مع المعتقلين الذين نفذوا العملية.

وتفتح المعطيات السابقة الباب أمام أسئلة واضحة المعالم: من المستفيد من زعزعة الاستقرار في روسيا؟ ولماذا يستخدم “داعش” أشخاصاً من طاجيكستان في الظلام؟ لماذا تحاول بريطانيا، بعد فشل سياستها في أوكرانيا، إثارة خلافات بين روسيا وحلفائها المقربين؟

الولايات المتحدة وبريطانيا تقصفان 18 هدفا للحوثيين في اليمن

اقرأ المزيد