09 يوليو 2024

تعيد استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، صورة العنف والتداخل ما بين الأزمة السياسية وفوضى المجموعات المسلحة.

وتقف الاتهامات الموجهة من طرابلس إلى المبعوث الأممي بالانحياز على بانوراما يشهدها الغرب الليبي، فمشروع الانتخابات لم يكن مجرد ترتيبات وتوافقات سياسية، بل تعامل مع واقع عسكري تفرضه مجموعات مسلحة مختلفة مع المساحة السياسية.

وقبل استقالة باتيلي بأيام اندلعت اشتباكات مسلحة خلال عيد الفطر ضمن موجة العنف المتقطعة التي تشهدها المدينة، ورغم الاتفاق على إنهاء التواجد العسكري في طرابلس قبل شهر رمضان، فإن المواجهات بين الفصائل المسلحة بقيت ضمن الصورة الأوسع لكل النشاط السياسي الذي يقف أمام تعدد المرجعيات العسكرية.

خارطة عسكرية مركبة

مع نهاية العام الماضي تعرض رئيس الحكومة المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة، لموقف محرج خلال محاولته السفر من مطار معيتيقة إلى مدينة مصراتة لحضور فعالية في الكلية العسكرية، وكان برفقته قيادات ميدانية بارزة، بما في ذلك آمر اللواء 444، محمود حمزة، الذي تم إيقافه من قبل عناصر قوة الردع الخاصة، ويُظهر هذا الحادث حجم السلطة التي تتمتع بها المجموعات المسلحة في طرابلس وقدرتها على تحدي السلطة الحكومية المركزية بكل جرأة.

الحدث حمل تداعيات سريعة؛ فأُعلنت حالة الطوارئ في صفوف اللواء 444، وسرعان ما استجابت وحداته بالعودة من ترهونة وبني وليد إلى ضواحي طرابلس الجنوبية،وبدأت كتائب الردع في الاستعداد لمواجهات محتملة، تبعها اشتباكات في عدة مناطق من العاصمة، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وبشكل جعل السلطات الحكومية عاجزة عن السيطرة على الوضع الأمني.

ولا تعتبر هذه الحادثة شأنا استثنائيا، فالخارطة العسكرية للمجموعات المسلحة التي تبدلت بشكل مستمر، أثرت بشكل واضح على سلطة حكومة الدبيبة، فالميليشيات في طرابلس والمنطقة الغربية تتمتع بسلطة كبيرة، وغالباً ما تحل محل سلطة الحكومة الرسمية، وهي ليست قوية فحسب، بل مستعدة أيضا للانخراط في صراعات دموية أو حتى تنظيم انقلابات للسيطرة على السلطة، ولديها ديناميكيات من القوة واضحة، ويتجلى هذا الأمر في تدخلات اللواء 444، الذي يتألف في الغالب من جنود محترفين من اللواء التاسع السابق في ترهونة، في مواجهات ومناورات سياسية كبيرة، لتبديل المعادلات السياسية عبر العمل العسكري.

جدول بأهم المجموعات المسلحة في طرابلس

الفساد والتلاعب الاقتصادي

ظهرت حكومة الدبيبة كانعكاس للخارطة العسكرية، فهي لم تكن بعيدة عن صراع المجموعات المسلحة، واللواء 444 كان أحد أجنحتها وسط فوضى السلاح الذي يعم طرابلس، في المقابل فإن هذا اللواء حظي باهتمام خاص من قبل الولايات المتحدة، فالتقارير تحدثت عن تنظيم جولة ميدانية لوفد من وزارة الدفاع الأمريكية في مقر اللواء “444 ” بالعاصمة الليبية طرابلس، وهذه الخطوة توضح أن موضوع المجموعات المسلحة هو جزء من الصراع الدولي، حيث يتم بناء “الشرعية السياسية” على التوازن بين هذه المجموعات، وهو ما جعل حكومة الدبيبة معنية بتمويل العديد من المجموعات، وكان تركيزها على إدارة الموارد المالية الليبية، لا سيما السيطرة على مصرف ليبيا المركزي، إضافة لصراعها داخل المؤسسات التي تدير النفط الليبي، فالعقود الحكومية يتم تخصيصها على أساس الانتماءات الشخصية بدلاً من المنفعة العامة. ولم تؤد هذه الممارسات إلى إدامة الفساد فحسب، بل أدت أيضا إلى تفاقم الانقسامات المجتمعية.

هذا الواقع  أدى في طرابلس إلى تعميق المأزق السياسي، وجعل من مسألة الانتخابات محاولة لـ”شراء الوقت”، والبحث عن “شرعية سياسية” قائمة أساسا على طبيعة الخارطة العسكرية في الشرق الليبي عموما، فظهور حكومة الوحدة الوطنية كان مثار شكوك كثيرة، وإقالتها من قبل البرلمان الليبي تعكس حالة عدم الثقة التي ظهرت بشكل متزامن مع بدء العملية السياسية عام 2021، فالاحتجاجات ضد حكومة الدبيبة التي تصاعدت مع بداية هذا العام تبرز التناقض الذي خلفته العملية السياسية، وعدم القدرة على رسم آلية تلغي شرعية المجموعات المسلحة داخل المشهد السياسي.

وتقدم الصورة في مدينة مصراتة، مسقط رأس الدبيبة، عمق ما تواجهه حكومة طرابلس حيث بدأت قوى سياسية ومدنية واجتماعية في تشكيل تحالفات للإطاحة بـ”الدبيبة”، وفسح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة تتولى تنظيم انتخابات عامة في البلاد.

وشهدت مصراتة منذ بداية العام اجتماعات متتالية، وظهور حراك يقوده المعارضون لسياسات الحكومة ويطالب بضرورة تنحيها من السلطة، وبتشكيل حكومة يمكنها تأكيد سلطتها بشكل حقيقي.

استقالة عبد الله باتيلي هي الذروة في المأزق السياسي، والحديث عن ستيفاني خوري كخليفة له ربما يخلق مخارج للدبيبة من المأزق السياسي المتفاقم حوله، فالشرق الليبي هو مساحة الفرص لكافة المصالح الأمريكية والأوروبية، وهو أيضا نقطة لتعزيز دور واشنطن في ساحة الصراع على إفريقيا من البوابة الليبية.

وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلى استمرار الفوضى في ليبيا عبر محاولاتها الدائمة لإفشال المحاولات الدولية لجمع الأطراف الليبية على طاولة واحدة للوصول إلى حل سياسي يخرج البلاد من أزمتها ومنع انقسامها، حيث تعمل واشنطن إلى دعم حكومة عبد الحميد الدبيبة التي فشلت طوال فترة إدارتها بإمساك زمام الأمور وتعميق حالة الانقسام بين الأطراف السياسية في البلاد وتنفيذ الأجندات الخارجية بما يخدم مصالح تلك الدول في الاستيلاء على ثروات البلاد، إلى جانب انتشار الفساد داخل مفاصل مؤسسات الدولة، وزيادة الفلتان الأمني نتيجة فشل حكومة الدبيبة في إحكام السيطرة على الفصائل المسلحة ولاسيما تلك التي تتقاتل فيما بينها بطرابلس.

بقلم نضال الخضري

ارتفاع طفيف في أعداد المهاجرين إلى ليبيا في الربع الأول من عام 2024

اقرأ المزيد