13 يناير 2025

بدت العملية العسكرية في الزاوية التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ظاهرة لتصفية الحسابات رغم أن هدفها المعلن القضاء على “أوكار الجريمة” على طول الساحل الغربي لليبيا.

أثارت العملية منذ بدايتها تساؤلات عديدة حول عمق ما تحاول حكومة الدبيبة القيام به، فالصورة الأمنية شكلت مبررا لدوافع سياسية أكثر تعقيدا، حيث ظهرت تصريحات رسمية متضاربة حول الوضع على الأرض، وبرزت شكوك متعددة عن مصداقية البيانات التي تم إطلاقها حول سير العملية الأمنية، وهذا الأمر يوضح أن مسألة الثقة بإجراءات حكومة طرابلس كانت على المحك.

نجاح أم فشل

لم تملك العملية منذ البداية أي معيار للنجاح حيث تم الإعلان عنها قبل عدة أيام، وبشكل يفسح المجال للمطلوبين الوقت الكافي للهروب أو نقل عملياتهم، وشكك رئيس اللجنة الليبية لحقوق الإنسان، أحمد حمزة، في فعاليتها، ووصفها بأنها عملية “استعراضية” تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وليس أهدافا أمنية، ونتيجة غياب عنصر المفاجأة فإن النتائج جاءت باهتة، حيث لم ترد تقارير مهمة عن اعتقال أفراد رئيسيين متورطين في الأنشطة غير المشروعة، ولم يتم ضبط شحنات كبيرة من المخدرات أو الأسلحة، ورغم أن هدف العملية يتضمن إزالة “أوكار الجريمة” ، لكنها جوبهت بمقاومة ضعيفة، وبشكل يثير الشكوك حول صحة الأهداف أو المعلومات الاستخباراتية وراء العملية.

وبعيدا عن الأهداف المعلنة للعملية فإن المؤشرات تدلل على أنها كانت عملا بدوافع سياسية وليس جهدا لمكافحة الجريمة، فهي جاءت لتصفية الحسابات السياسية داخل المدينة، واستهداف الفصائل المعارضة تحت ستار عمليات مكافحة الجريمة، وأثار الإعلان عن تورط  قادة في الجيش تربطهم علاقات مشكوك فيها بأنشطة غير قانونية مثل الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات، المزيد من الشكوك حول الطبيعة الحقيقية للعملية، ووفق المعطيات الكاملة لسير العملية وما تم الإعلان عنه فإن العملية كانت جزءً من مناورة سياسية أوسع نطاقا من جانب حكومة الدبيبة؛ لتحييد المعارضين أو تأمين السيطرة الإقليمية على مناطق رئيسية مثل الزاوية، والتي تشكل أهمية استراتيجية.

التهميش المتعمد لوزارة الداخلية

أثار دور وزارة الداخلية بقيادة عماد الطرابلسي في عملية الزاوية تساؤلات مهمة، حيث بدا أن الوزارة، المسؤولة عن تنفيذ القانون والأمن الداخلي، تم تهميشها في هذه العملية، ويعكس هذا الاستبعاد انقسامات أعمق داخل المؤسسات في حكومة طرابلس وفي المشهد السياسي أيضا، فالعملية التي قادتها المؤسسة العسكرية، ونفذتها المنطقة العسكرية الغربية تحت قيادة صلاح النمروش، جرت دون تنسيق مع وزارة الداخلية، ما يشير إلى أنها كانت مدفوعة من قبل فصائل عسكرية داخل الحكومة بسبب التنافس أو الرغبة في مركزية السلطة تحت الإرادة العسكرية.

ويشير تهميش وزارة الداخلية إلى طبيعة صراع على السلطة داخل الحكومة، وذلك عبر تنافس فصائل مختلفة للسيطرة على الأجهزة الأمنية، وجاء تجاوز وزارة الداخلية تحت قيادة الطرابلسي، التي تتمتع تقليديا بالشرعية لإضعاف نفوذها وتجنب أي تحديات سياسية من قبلها داخل الحكومة، فبعض الجهات السياسية الفاعلة داخل حكومة الدبيبة سعت إلى هذا التهميش لتعزيز أجنداتها الخاصة، وذلك من خلال تعزيز القوة العسكرية وتجاوز وزارة الداخلية، وذلك لاكتساب سيطرة أكبر على العمليات الأمنية، وتعزيز موقفها السياسي في البيئة غير المستقرة في ليبيا.

عمليا فإن الجانب الأكثر إرباكا في عملية الزاوية كان الافتقار إلى اعتقال أي شخصيات رئيسية متورطة في الشبكات الإجرامية العاملة في المنطقة، وعلى الرغم من المشاركة العسكرية المكثفة والاهتمام الإعلامي؛ لم يتم القبض على أي من الأفراد المرتبطين بتهريب الوقود أو الاتجار بالبشر أو تجارة المخدرات، هناك عدة عوامل قد تفسر هذا الأمر:

  • الفشل الاستخباراتي حيث كانت المعلومات التي تم بناء العملية عليها لا تتطابق مع الواقع على الأرض، وهذا يفسر عدم القبض على أي من الأهداف.
  • التحذير المسبق: هناك احتمال آخر وهو أن تفاصيل العملية تسربت إلى الشبكات الإجرامية قبل الأوان، ما سمح للجناة بالفرار قبل وصول القوات، ولعب الإعلان المسبق عن توقيت العملية فيتوفير فرصة كبيرة للمجرمين للهروب أو الاختباء.
  • من الممكن أيضًا أن تكون العملية مصممة لإيجاد شكل من العمل الأمني فقط وليس لاعتقال الشخصيات الرئيسية، وتستخدم هذه الاستراتيجية للحفاظ على السيطرة السياسية بدلا من تحقيق نتائج أمنية حقيقية.

إن عدم اعتقال مجرمين قوض مصداقية العملية وأدى إلى المزيد من التساؤلات حول ما إذا كانت الحملة تهدف إلى مكافحة الجريمة أم أنها كانت لدوافع أخرى.

حقيقة ما حدث

إن الطبيعة الحقيقية لعملية الزاوية لا تزال غامضة، حيث تساهم عدة عوامل في حالة عدم اليقين المحيطة بما حدث، فهناك نقص كبير في الشفافية وكانت البيانات الرسمية غامضة وتفتقر إلى معلومات واضحة، ما ترك للجمهور والمحللين مهمة سد الثغرات، كما ظهرت روايات متضاربة حول أهداف العملية ونتائجها، فإصرار الإدارة العسكرية على أن الهدف كان الشبكات الإجرامية، فإن معظم المتابعين لتفاصيل ما جرى يصرون على افتقار العملية إلى النتائج القابلة للتحقق.

من المرجح أن العملية حدثت في سياق سياسي أوسع، ويتضمن هذا الأمر الصراعات الداخلية على السلطة، فالزاوية مدينة ذات أهمية استراتيجية كبيرة وموارد نفطية هامة وموقعها بالقرب من طرق التهريب الرئيسية يعطيها أهمية خاصة، وكانت منذ فترة طويلة مساحة للمنافسة بين الفصائل السياسية والعسكرية، وجاءت العملية كإجراء استباقي لتعزيز السيطرة على هذه المنطقة الرئيسية قبل حدوث أي تحولات سياسية أخرى، وخاصة في ضوء عدم الاستقرار الأوسع في ليبيا.

كما يشير توقيت العملية بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، إلى أنها جزء من استراتيجية أكبر لإضعاف الخصوم المحتملين قبل التطورات السياسية المستقبلية، فكانت مزيجا من الفشل والمناورة السياسية، وفي حين صاغتها الرواية الرسمية على أنها جهد لاستعادة الأمن ومكافحة الجريمة المنظمة، فإن الافتقار إلى النتائج الملموسة، وغياب الاعتقالات، والتوقيت المشكوك فيه، كلها تشير إلى الدوافع السياسية كعامل مركزي، فتهميش وزارة الداخلية، والافتقار إلى عنصر المفاجأة في العملية، والتسريبات المحتملة للعناصر الإجرامية تشير إلى أن العملية ربما كانت أقل ارتباطا بالأمن وأكثر ارتباطاً بتعزيز الاستقرار السياسي.

تستمر ليبيا في التعامل مع التشرذم السياسي والتنافسات العسكرية، فإن العمليات مثل تلك التي جرت في الزاوية توضح صعوبة تحقيق الأمن الحقيقي في غياب الحكم المنسق والقضاء المستقل، وفي غياب الشفافية والمساءلة، يظل من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأنواع من العمليات سوف تعود بالنفع الحقيقي على الشعب الليبي أم أنها سوف تخدم ببساطة كأدوات في الصراع السياسي المستمر على السلطة.

بقلم مازن بلال

إيطاليا تغلق 728 حسابا إلكترونيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية من ليبيا

اقرأ المزيد