عمليات الهدم المفاجئة في الرباط، التي استهدفت أحياء عريقة قبيل رمضان، أثارت احتجاجات واسعة بين السكان لافتقارها للوضوح القانوني والتعويضات المناسبة، ما دفع الأحزاب لمطالبة السلطات بالشفافية.
أثارت عمليات الهدم المفاجئة التي تقوم بها السلطات المحلية في العاصمة المغربية الرباط، والتي شملت أحياء عريقة، موجة من الجدل والاحتجاجات بين السكان.
وجاءت هذه العمليات قبيل شهر رمضان وخلاله، مما زاد من حدة الاستياء، حيث أجبرت العديد من الأسر على الرحيل دون تقديم مبررات واضحة أو حلول اجتماعية بديلة، سواء للملاك أو المستأجرين أو الحرفيين.
ووفقاً لشهادات متضررين نقلتها وسائل إعلام محلية، تم تنفيذ عمليات الهدم دون تسليم السكان أي قرارات إدارية مكتوبة أو وثائق قانونية توضح أسباب الهدم أو تفاصيل المشروع.
واعتمدت السلطات المحلية على “أوامر شفهية” دون إبراز مرجعية قانونية واضحة، مما أثار تساؤلات حول شرعية هذه الإجراءات.
ووجهت “الأمانة العامة” لحزب “العدالة والتنمية”، إلى جانب منتخبي الحزب في بلدية الرباط، انتقادات حادة لعمليات الهدم، مؤكدة أن هذه الإجراءات تتم دون إعلان علني لمشروع نزع الملكية من أجل المنفعة العامة أو استشارة السكان.
وأشار الحزب إلى أن هذه العمليات تشكل “خرقاً واضحاً” للقانون المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، حيث لم يتم إعلان الممتلكات المعنية بالهدم بقرار رسمي.
كما تساءل الحزب عن مصدر التمويل المخصص للتعويضات، وعن وجود “صفقات خفية” مع مستثمرين عقاريين غير معلنين.
وأشار إلى أن التعويضات المقدمة للمتضررين، والتي تبلغ 13 ألف درهم (1300 دولار أمريكي) للمتر المربع، لا تعكس القيمة الحقيقية للعقارات في سوق الرباط العقاري.
واستنكر حزب “العدالة والتنمية” استخدام لغة التهديد من قبل “وسطاء” لإجبار السكان على المغادرة، بما في ذلك التلويح بقطع الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء.
ووصف الحزب هذه الأساليب بأنها “تعسفية وغير إنسانية ومخالفة للدستور”، كما انتقد منح السكان مهلة قصيرة للإخلاء، لا تتجاوز أسبوعاً واحداً في بعض الحالات، في حين أن القانون يمنح مهلة 30 يوماً كحد أدنى.
وأعرب الحزب عن استنكاره لعدم مراعاة حرمة شهر رمضان، حيث تزامنت عمليات الهدم مع الشهر الفضيل، مما زاد من معاناة السكان، كما أشار إلى أن هذه الإجراءات تسببت في اضطراب حياة الأطفال الدراسية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع نسب الهدر المدرسي.
من جهتها، استنكر مستشارو حزب “فيدرالية اليسار الديمقراطي” في مجلس مدينة الرباط، صمت السلطات العمومية وعدم إشراك الممثلين الحقيقيين للمواطنين في اتخاذ القرارات.
وشجبوا الترحيل المتكرر لسكان الرباط وإبعادهم عشرات الكيلومترات عن أحيائهم الأصلية دون اعتماد مقاربة اجتماعية تشاركية.
وطالب الحزب بوقف عمليات توسعة الشوارع التي لا تحتاج إلى ذلك، خصوصاً شارع محمد السادس، ودعا إلى تقديم توضيحات كافية عن المشاريع المخصصة للمناطق التي طالها الهدم، مثل دوار العسكر وحي المحيط. كما طالب بفتح حوار عمومي جدي حول المخططات الجديدة للعاصمة وإشراك الساكنة في اتخاذ القرارات.
في محاولة للإجابة عن الأسئلة المطروحة، قالت فتيحة المودني، رئيسة المجلس البلدي لمدينة الرباط، إن عمليات نزع الملكية تمت وفق القانون، وأكدت أن ما يحدث في حي المحيط “ليس نزعاً للملكية، بل هو عملية بيع لأصحاب العقارات يتم بالتراضي”.
وأضافت أن المجلس البلدي يحترم القانون في نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ونفت وجود أي ضغوط أو أوامر للإفراغ.
واتهمت المودني جهات معينة بترويج مغالطات وتمرير رسائل سياسية، مشيرة إلى أن بعض السكان المكترين سيستفيدون من شقق سكنية، بينما تم تعويض آخرين كانوا يقطنون منازل آيلة للسقوط بمساكن تحفظ كرامتهم.
رغم الردود الرسمية، لا تزال عمليات الهدم والترحيل تثير غضباً واسعاً بين سكان الرباط، الذين يطالبون بتحقيق شفاف وإشراكهم في القرارات التي تمس حياتهم وممتلكاتهم.
وفي ظل استمرار الجدل، يبقى مستقبل هذه الأحياء ومصير سكانها محل تساؤلات واحتجاجات مستمرة.