22 ديسمبر 2024

أحدث الإعلان عن افتتاح مكتب تمثيلي ل”جمهورية الريف المغربية”؛ تصاعد التوتر السياسي والإعلامي بين الجزائر والمغرب إلى مستوى جديد مهدداً العلاقات الإقليمية للجزائر.

الخطوة الجزائرية جاءت رداً متأخراً على التصريحات المغربية حول دعم المملكة لحق تقرير المصير لـ “شعب القبائل” في الجزائر، ويمكن اعتبار ما يجري بين الدولتين نموذجا للحالة الدبلوماسية التي تخوضها الجزائر وسط إقليم يعيش صراعات حادة، فالعلاقات الجزائرية المغربية بشكلها المتأزم بدأت قبل صراع 1975 حول قضية الصحراء، فهناك أنظمة سياسية متناقضة سياسياً وأيديولوجياً في الشمال الإفريقي، وزيادة التوتر ليس بعيداً عن دخول جهات إقليمية ودولية، وظهور استقطابات للرباط والجزائر العاصمة على خلفية تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وذلك في وقت بدأت فيه الحيوية الدبلوماسية الجزائرية للظهور بعد فترة سبات في زمن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1937-2021).

اتجاهات الجزائر الإقليمية

تسعى الجزائر لاتباع نموذج تعاون إقليمي يركز على التكامل والمشاريع الاستراتيجية في شمال إفريقيا، ويجسد هذا الاتجاه تجاوباً مع حالة التفكك لاتحاد المغرب العربي، وهو ما دفع الجزائر نحو شركاء في شمال إفريقيا، بما في ذلك تونس وموريتانيا وليبيا، وإلى حد ما مصر، وهذا التوتر لا يجسد فقط قلق من جارتها الغربية، إنما ينقل الحاجة إلى إعادة تقييم النهج الإقليمي السائد منذ أواخر الثمانينيات، والتركيز على التكامل المغاربي وتعزيز التعاون الإقليمي الاقتصادي والتجاري والطاقة؛ يوفر للجزائر سيطرة على عمليات التنمية العابرة للحدود الوطنية لخدمة مصالحها.

عملياً فإن الجزائر اتجهت لمنطقة شمال إفريقيا من خلال إنشاء البنوك الجزائرية، وتتعامل مع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) كمنصة لتعزيز التكامل الاقتصادي، فاستراتيجية زيادة التجارة البينية الإقليمية يبدو كبداية واقعية لهذا الاتجاه، كما تعكس المشاركات الدبلوماسية الأخيرة، مثل القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز في الجزائر العاصمة، السياسة الجزائرية للخروج عن هيكل اتحاد المغرب العربي وتنشيط التعاون الإقليمي وتجاوز التحالفات السابقة، حيث يشدد المسؤولون الجزائريون على أهمية التكامل الإفريقي والتزام الحكومة بإنشاء مناطق تجارة حرة إفريقية على طول المناطق الحدودية، وهو ما ينقل اهتمام الجزائر بإمكانات شمال إفريقيا كمركز رئيسي للطاقة والزراعة.

التقلبات السياسية الإقليمية

الصورة الاقتصادية للنموذج الجزائري لا تنقل كافة التفاصيل التي تواجه نموذجها الإقليمي، فتوتر علاقاتها مع جارتها المغربية هو جزء من الأزمات في محيطها الجغرافي، فهي محاطة بتوترات بدءاً من النيجر منذ وقوع الانقلاب العسكري في يوليو 2023، ورغم الموقف الجزائري المتزن في دعمها لشرعية الرئيس محمد بازوم ورفضها أي تدخل عسكري فيه، لكن التطورات في الدول الواقعة جنوب الجزائر خلقت خلافات متلاحقة، حيث أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي إنهاء اتفاق الجزائر للسلام الذي وقعته الحكومة آنذاك مع الانفصاليين بأثر فوري، كما اتهم المجلس الجزائر بالقيام بـ”أعمال عدائية وبالتدخل في شؤون البلاد الداخلية”، بعد ثلاثة أيام على هذا القرار، أعلنت مالي إلى جانب بوركينا فاسو والنيجر، انسحابها بمفعول فوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، بمبرّر أن هذه المجموعة “تخون مبادئها التأسيسية وباتت تشكل تهديداً لدولها الأعضاء وشعوبها، وهي تحت تأثير قوى أجنبية”.

هذه الخطوات المتلاحقة كان غرضها الأساسي توجيه رسالة لداخل هذه الدول بأنها تتعرض لضغوط خارجية مكثفة، واستخدموا الخلاف مع الجزائر لمحاولة خلق تعبئة داخلية وتوحيد المعارضة خلفهم، وبهذا الشكل فإنهم خلقوا تحد لعلاقات الجزائر الخارجية جعلها تتجه نحو الاتفاق الثلاثي مع تونس وليبيا، وتبدو هذه الخطوة تعزيزاً للتعاون السياسي والاقتصادي، ومحاولة صياغة مسار جديد للتكامل المغاربي، وتأكيد على سعي الجزائر لتعويض بعض من أدوارها الإقليمية المفقودة، فما يحدث هو محاولة لخلق نهج جزائري حذر، ينطوي ذلك على معايرة استراتيجية للسياسات وسط تداعي معظم المنظومات الإقليمية في شمال إفريقيا.

المفارقة الأساسية في العلاقات الجزائرية تبدو في التداعيات السياسية ضمن الاتحاد الإفريقي، فالتطورات الأخيرة، بما في ذلك انسحاب البلدان المجاورة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والتحديات التي يفرضها نهاية الحلم الجزائري المتمثل في إنشاء خط أنابيب للغاز عبر الصحراء، وهو ما جعل التزامات الجزائر الإقليمية وجهودها للتوسط في الصراعات في البلدان المجاورة تفشل بشكل خطير، فالطموحات الاستراتيجية كدولة رائدة في إفريقيا يقترن بخلفية من العزلة الاستراتيجية، والتي أبرزتها التحالفات المتغيرة والشراكات الاقتصادية لجيرانها. وهذا يثير أسئلة ذات صلة حول جدوى تطلعات القيادة الإقليمية للجزائر وقدرتها على التأثير على الخطاب الجيوسياسي الإفريقي.

هناك مفترق تقف أمامه الجزائر فأهميتها الجيوسياسية على المستوى الجغرافي وموقعها في سوق الطاقة، أهلاها للتوسط في الصراعات الإقليمية، لكن أزمات إفريقيا الحادة وخصوصاً الصراعات في الجوار الجغرافي للجزائر حد من الطموح الإقليمي لها، وربما سيحمل لقاء القمة الفرنسي – الجزائري القادم تصوراً أوضح لخيارات الجزائر القادمة.

بقلم مازن بلال

بعد النيجر.. الولايات المتحدة تعلن سحب قواتها من تشاد

اقرأ المزيد