مع تعيين الجورجية صوفي كيمخادزي كممثلة مقيمة جديدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في ليبيا، تطفو تعقيدات البرامج الإنمائية في ليبيا وسط العجز السياسي للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد.
وتأتي الدكتور صوفي كيمخادزي إلى ليبيا ضمن مهمة صعبة، حيث أن الانتقادات لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي طالت جوانب متعددة، فهو لم يحقق الأهداف المعلنة في مجالات مثل الحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية.
وشهد البرنامج حالة من نقص الشفافية في كيفية اختيار المستفيدين من المساعدات والبرامج، كما تعرض البرنامج للانتقاد بسبب تأثيره المحتمل في تقويض قدرة المجتمع المدني على العمل بحرية، خاصة في ظل الظروف السياسية المعقدة في البلاد.
وتمتلك الدكتورة كيمخادزي أكثر من 25 عاماً من الخبرة مع الأمم المتحدة، بما في ذلك 17 عاماً مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكن المشكلة تبقى في طبيعة الأزمة الليبية التي تؤثر عليها أطراف متعددة، وتطال بنية المجتمع الليبي الذي بات خاضعاً لعوامل مختلفة، على الأخص في الغرب، فالمجتمعات المحلية التي يستهدفها البرنامج الأممي محاصرة بزعامات عسكرية بالدرجة الأولى.
خلفية تعيين صوفي كيمخادزي
الدكتورة صوفي كيمخادزي تتمتع بخلفية أكاديمية قوية، فهي تحمل درجة الدكتوراه في الرياضيات من أكاديمية العلوم الجورجية، وماجستير في الاقتصاد والسياسة من جامعة ورك في المملكة المتحدة، وخبرتها تشمل العمل في دول مثل أرمينيا ونيبال وإندونيسيا والصومال، التي واجهت اضطرابات سياسية واجتماعية.
وقبل تعيينها في ليبيا، كانت كيمخادزي تعمل كنائبة للممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الصومال، فهي تعاملت مع “المخاطر” التي يواجهها البرنامج الإنمائي في ظل تواجد مجموعات مسلحة.
ورغم خلفيتها المهنية لكن كيمخادزي ستواجه وضعاً معقداً في ليبيا، فبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يركز للفترة 2023-2025 على ثلاث أمور أساسية:
- تعزيز المؤسسات الديمقراطية عبر دعم العملية الانتخابية، وتعزيز قدرات هياكل الحكم المحلية، والمساعدة في إنشاء أنظمة حوكمة شفافة وخاضعة للمساءلة.
هذه المهمة لا تبدو صعبة فقط بل مستحيلة في ظل الواقع الليبي الذي تحكمه أساساً حالة معاكسة لأي مسار ديمقراطي، فعدم قدرة حكومة طرابلس المنتهية الولاية على التعامل مع المسارات السياسية، وعجزها عن ضبط الحالة الأمنية يجعل من مهمة كيمخادزي مقتصرة فقط على مسائل التأهيل داخل المؤسسات الاجتماعية الأصغر مثل البلديات.
- تعزيز الاستدامة الاقتصادية من خلال تسهيل التنوع في الاقتصاد الليبي، الذي يعتمد تاريخياً على صادرات النفط.
وضمن هذا البند فإن المهمة الصعبة للبرنامج الإنمائي لا تكمن فقط في إيجاد البدائل، بل أيضاً في التعامل مع مجتمع منهك من الصراعات والصعوبات الاقتصادية، وبالتأكيد فإن الموارد الاقتصادية البديلة تحتاج لبيئة مستقرة بالدرجة الأولى، وهو ما ستواجهه كيمخادزي بشكل مباشر على الأخص في مسألة تمكين الفئات الأكثر هشاشة اجتماعياً مثل المرأة، فمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية ستكون مهمة معقدة لأنها متعددة الأوجه ولا ترتبط فقط بتمكين المجتمع من إيجاد بدائل اقتصادبة.
- بناء الصمود المجتمعي من خلال تعزيز قدرات المجتمعات المحلية على مواجهة الأزمات، سواء كانت سياسية أو بيئية.
إن مهمة كيمخادزيفي تنفيذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعزيز النسيج الاجتماعي وتحسين صمود المجتمعات ضد الصدمات تبدو جوهرية، وذلك في ظل الاحتمالات المتكررة للمواجهات العسكرية بين الفصائل في الغرب الليبي، أو حتى مع أعداد المهاجرين وتدفقهم المستمر في شرق ليبيا الذي يفرض اضطرابات على مستوى استقرار المجتمعات المحلية.
التوقعات من قيادة صوفي كيمخادزي
الانقسام السياسي في المشهد الليبي سيواجه كيمخادزي خلال عملها مع السلطات الليبية والمجالس المحلية لتعزيز الحوكمة الديمقراطية، فدعم البرنامج للعملية الانتخابية سيقتصر على الأمور اللوجستية نتيجة عدم قدرة النخب السياسية التوصل إلى مسار لإجراء الانتخابات، وهو ما قام به البرنامج خلال العام الماضي عبر توزيع قوائم الناخبين على 2,000 مركز اقتراع في جميع أنحاء البلاد.
وبالإضافة إلى تطوير نظام تسجيل الناخبين عبر الرسائل النصية القصيرة (SMS)، وتدريب 192 قاضياً ومحامياً، بما في ذلك 55 امرأة، لتعزيز قدرتهم على التعامل مع النزاعات الانتخابية، وتمكين 61 من أعضاء المجالس البلدية الشبابية، بما في ذلك 18 امرأة، في جلسات تدريبية لتعزيز مشاركتهم، إضافة لتطوير منصةeMonitor+ لمراقبة وسائل الإعلام وتحليل البيانات المتعلقة بالانتهاكات الانتخابية.
وضمن مهامها الأخرى ستحتاج كيمخادزي إلى توجيه جهود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعزيز تنويع الاقتصاد، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن توفر مصادر دخل بديلة للسكان الليبيين.
ومن المرجح أن تركز أيضاً على بناء السلام مستفيدة من خبرتها السابقة في الصومال لتعزيز مبادرات بناء السلام المحلية، إضافة لتعزيز قدرة ليبيا على الاستجابة للكوارث الطبيعية والتعافي منها، خصوصاً مع تغير المناخ، وأحداث درنة خلال العام الماضي التي كانت كارثة حقيقية نتيجة السيول الناجمة عن إعصار دانيال.
إن خبرة كيمخادزيفي الصومال تعتبر جوهرية في إطار عملها في ليبيا، فهي في النهاية ستواجه مهام “بناء السلام” المستند إلى وظائف فرعية أخرى، وخبرتها الواسعة في البلدان المتأثرة بالنزاعات ستصعها أمام تحد أساسي في ليبيا تتلخص في تنفيذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي رغم انغلاق الأفق السياسي، فتعزيز الحوكمة الديمقراطية والتنمية الاقتصادية المستدامة وصمود المجتمعات؛ هي في النهاية تملك هدفاً واحداً بالنسبة للأمم المتحدة يتلخص في بناء السلام.
بقلم نضال الخضري
قيادي في حراك مصراته يشكر الحكومة الليبية على تحقيق أحد المطالب الهامة