صندوق النقد الدولي أوصى بخطة لإصلاح دعم الطاقة في ليبيا، تشمل إلغاء دعم الوقود ورفع تعرفة الكهرباء تدريجياً خلال ثلاث سنوات، في خطوة وصفها خبراء بأنها محفوفة بالمخاطر.
وبحسب مقترح الصندوق، من المقرر أن يصل سعر لتر البنزين إلى 3.3 دنانير (نحو 0.6 دولار) بعد مرور ثلاث سنوات على بدء تنفيذ الخطة، مقارنة بالسعر الحالي البالغ 0.15 دينار فقط، وتقضي الخطة بإلغاء نصف الدعم في السنة الأولى، ثم النصف المتبقي على مدى العامين التاليين، مع تخصيص تحويلات نقدية شهرية تبدأ من 217 ديناراً للمواطن في العام الأول وتصل تدريجياً إلى 509 دنانير شهرياً بحلول العام الخامس، وذلك بهدف التخفيف من التأثيرات الاجتماعية لرفع الدعم.
كما اقترح الصندوق زيادة تدريجية لتعرفة الكهرباء من 0.04 دينار لكل كيلووات/ساعة إلى 0.5 دينار بحلول العام الثالث، في ضوء ما وصفه بكون أسعار الكهرباء في ليبيا من الأرخص عالمياً، وهو ما شجّع على الهدر والتوسع غير المستدام في الاستهلاك.
وأكد التقرير أن تنفيذ هذه الإصلاحات يتطلب نهجاً استراتيجياً حذراً يأخذ في الاعتبار حالة الانقسام السياسي، مشيراً إلى أن انعدام الثقة في قدرة الحكومة على إدارة التعويضات النقدية يثير مخاوف واسعة لدى المواطنين.
وتبدأ المرحلة الأولى من الخطة بإنشاء لجنة مستقلة لتقييم الاحتياجات الفعلية للوقود وفق المعايير الدولية، بينما تشمل المرحلة الثانية إعادة هيكلة أنظمة التوزيع والتحصيل، وتعزيز الرقابة على سلاسل الإمداد المحلية للحد من التهريب، الذي يقدّر الصندوق أرباحه السنوية بنحو ثلاثة مليارات دولار، وأوضح التقرير أن نحو 30% من الوقود المستورد يجري تهريبه إلى الدول المجاورة نتيجة الفجوة الكبيرة بين الأسعار المدعومة والأسعار العالمية.
كما دعا الصندوق إلى تبنّي نظام مراقبة رقمي لتمكين السلطات من تتبع مسارات الوقود بدءاً من الإنتاج وصولاً إلى التوزيع، وضمان الشفافية والحد من الفساد، وشدد على ضرورة اعتماد آلية تسعير تلقائية ترتبط بأسعار السوق العالمية لتفادي تراكم فجوات الأسعار مستقبلاً.
وفي المقابل، حذّر خبراء اقتصاديون من أن الوقت الراهن لا يسمح بتنفيذ مثل هذه الخطوات، نظراً لتدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم الانقسام السياسي.
وقال علي الشريف، أستاذ الاقتصاد في جامعة بنغازي، في تصريحات صحفية، إن رفع الدعم سيؤدي إلى زيادات مباشرة في الأسعار والخدمات، وهو ما يستدعي توافر حكومة موحدة تملك القدرة على تطبيق سياسات اقتصادية متوازنة، إلى جانب ضرورة تطوير شبكة مواصلات عامة وبنية تحتية حديثة تتيح للمواطنين بدائل حقيقية للتنقل.
وأوضح الشريف أن “الحد الأدنى للأجور في ليبيا يبلغ حوالي 900 دينار (163.6 دولار)، ومع اعتماد الأسعار الجديدة للوقود قد تصل تكلفة تعبئة 100 لتر شهرياً إلى نحو 350 ديناراً، وهو رقم كبير بالنسبة للشرائح محدودة الدخل، ما يجعل تفعيل برامج حماية اجتماعية أمراً ضرورياً”.
ورأى المحلل الاقتصادي أحمد المبروك أن رفع الدعم بات خطوة لا مفر منها بعد تعديل سعر الصرف، مشيراً إلى أن الدولار كان يُحتسب سابقاً بـ1.4 دينار فقط، بينما يجري تداوله حالياً عند 5.5 دنانير، الأمر الذي يجعل الاستمرار في الأسعار القديمة للدعم غير منطقي. واقترح المبروك اعتماد بطاقات ذكية تمنح المواطنين الليبيين حصة شهرية من الوقود المدعوم بشكل عادل، على أن يُرفع الدعم عن الأجانب والمقيمين غير الليبيين لتخفيف العبء على الميزانية العامة.
ومن جانبه، حذّر الخبير الاقتصادي وحيد الجبو من أن رفع الدعم دون خطة واضحة للتعويض العادل قد يؤدي إلى تداعيات اجتماعية خطيرة وانفجار شعبي، مشدداً على أن “غياب الثقة في قدرة الدولة على إدارة هذه العملية يزيد من تعقيد الوضع ويعزز المخاوف لدى المواطنين”.
ورغم أن صندوق النقد أكد أن عائدات النفط المتوقعة وانتعاش الناتج المحلي الإجمالي قد يدعمان قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاح، إلا أن الخبراء أجمعوا على أن الانقسامات السياسية المستمرة والظروف الأمنية الهشة تجعل نجاح الخطة رهيناً بتوافر توافق وطني حقيقي، وإجراءات حماية اجتماعية شاملة ومؤسسات موثوقة قادرة على تطبيقها بشفافية وعدالة.
قيادة طفل في العاشرة لسيارة حديثة تُثير موجة غضب في ليبيا (فيديو)
